سوق الأسهم إلى اين؟

تقديم

المضاربة بالأسهم كان هو العنوان المقترح لهذه الندوة من جانب شبكة الطلبة القطريين بجامعة قطر قبل أكثر من شهر، ولكني، وعلى ضوء التطورات التي لحقت بسوق الأسهم في الأسابيع الماضية، والتي انخفضت فيها أسعار الأسهم انخفاضاً شديداً أرغب في تغيير الموضوع، لأتحدث إليكم عوضاً عن ذلك عما جرى في السوق منذ بداية عام 2005، وحتى هذا الأسبوع، وذلك في محاولة لمعرفة وجهة الأسعار فيما تبقى من عام 2006. وأحسب أن استشراف المستقبل يبدو أكثر إلحاحاً في الوقت الحاضر لكل المتعاملين في السوق، بعد أن خسر المؤشر أكثر من 4200 نقطة من أعلى مستوى وصله يوم 22 سبتمبر الماضي، أي بنسبة 33%. وهذا الانخفاض الكبير يعادل في قيمته أكثر من 120 مليار ريال قطري. وبالتالي، فهو يشكل ضربة موجعة لكل الذين دخلوا السوق في النصف الثاني من عام 2005 وحتى الآن، وخاصة أولئك الذين احتفظوا بأسهمهم أو أنهم باعوها بخسارة في وقت سابق. وقد يكون الأمر بخلاف ذلك لمن كان لديهم أسهماً منذ بداية العام، حيث أنهم في أسوأ الأحوال قد خسروا ما ربحوه في النصف الأول من عام 2005 أو بعضاً منه.

نظرة لما حدث في عام 2005 وحتى الآن:

واستشراف المستقبل يتطلب مراجعة لما حدث في الماضي، لمعرفة الأسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار أولاً ثم انخفاضها في التالي، ذلك أن معرفة الأسباب هي من الأمور الأساسية عند التصدي لرسم الصورة المستقبلية لأي متغيرات اقتصادية. ودعونا في البداية نتذكر كيف أن الأسعار قد ارتفعت بقوة في الشهور الثمانية الأولى من عام 2005 نتيجة عدة عوامل يمكن تلخيصها في الآتي:

أولاً: ارتفاع أسعار النفط بقوة وتجاوزها مستوى 60 دولاراً للبرميل في كثير من شهور السنة، وما تبع ذلك من اعتماد ميزانية توسعية تجاوز فيها الإنفاق الحكومي المعتمد للسنة 2005/2006 نحو 38 مليار ريال.

ثانياً: الأداء القوي للشركات المساهمة القطرية وتوزيعها لأرباح بمعدلات مرتفعة جداً تفوق ما يتحقق في أسواق المال الرئيسية العالمية في لندن ونيويورك وطوكيو وغيرها، مما دفع الأموال القطرية المهاجرة إلى العودة إلى الوطن بقوة. وقد تعزز هذا الاتجاه نتيجة تزايد المخاطر التي أصبحت تهدد الاستثمارات العربية في الخارج، بعد أحداث 11 سبتمبر.

ثالثاً: قرار فتح السوق القطري أمام الاستثمارات الأجنبية بنسبة 25% كحد أقصى، وهو القرار الذي أُعلن في صيف عام 2004 وتحدد لتنفيذه السابع من إبريل 2005 ولأن التوقعات في ذلك الوقت كانت تتحدث عن احتمال ارتفاع أسعار الأسهم عند تنفيذ هذا القرار، لذا فإن الكثيرين قد استبقوا دخول الأجانب للسوق، وزادوا من استثماراتهم في الأسهم، وكان الكثير منها عن طريق القروض التي آن أوان استحقاقها بعد 6-12 شهر، أي في الفترة من سبتمبر 2005 إلى مارس 2006.

رابعاً: إقرار قانون الصناديق الاستثمارية وما صاحبه من توقعات بأن هذه الصناديق ستعزز من الطلب على الأسهم في السوق القطري.

وقد كان من نتيجة ما تقدم أن ارتفعت أسعار الأسهم بشدة في ثلاث موجات امتدت الأولى حتى نهاية مارس 2005، وحدثت الثانية في شهر يونيو والثالثة في شهر أغسطس. وبنهاية أغسطس ، كان المؤشر قد اقترب من تحقيق زيادة بنسبة 100% عن بداية العام. وأصبحت كل المؤشرات المالية التي تستخدم في تقييم مستويات الأسعار، ومنا مؤشر السعر إلى العائد، تشير إلى أن الأسعار قد تجاوزت الخطوط الحمراء بكثير، وأن تصحيحاً فنياً بات وشيكاً. إلا أنه في غمرة التفاؤل المفرط بارتفاع الأسعار، ضاع صوت العقل ولم يلتفت أحد إلى ما تقوله المؤشرات المالية. ورغم أن مؤشر السوق كان لا يزال في حالة ارتفاع في شهر سبتمبر وحتى يوم 22 منه على وجه التحديد، فإن أسعار أسهم كثير من الشركات كانت قد بدأت في الانخفاض منذ الأسبوع الأول من سبتمبر.

وكان الظن في ذلك الوقت، أن انخفاض الأسعار هو انخفاض مؤقت، وأنه لن يستمر لأكثر من أسابيع أو شهور محدودة حتى نهاية العام 2005، وأن توزيعات الأرباح المتوقعة على الأسهم كفيلة بإعطاء الأسعار قوة زخم جديدة. وكان الدافع وراء التمسك بهذا الرأي أن معطيات الاقتصاد القطري لم تتغير بعد؛ فأسعار النفط تقترب من مستويات قياسية جديدة(70 دولاراً لبرميل نفط غرب تكساس)، والإنفاق الحكومي على أشده، والنمو الاقتصادي القطري يجري بمعدل 20.5% سنوياً، والنتائج المعلنة للشركات عن النصف الأول من العام، ثم عن تسعة شهور ترسم صورة وردية جداً لمستقبل سوق الأسهم في قطر.

وعلى أرض الواقع، كانت الصورة مغايرة تماماً، فالأسابيع تتابع أسبوعاً بعد أسبوع والأسعار في تراجع منتظم رغم ما قد يطرأ عليها في بعض الأحيان من ارتفاعات ملحوظة. وبدأنا نبحث عن أعذار وأسباب لما يجرى، قلنا في البداية إنه الاكتتاب في أسهم دلالة، وتبع ذلك الاكتتاب في أسهم شركة دانة للغاز في الإمارات، ثم قلنا إنه شهر رمضان الكريم الذي صام فيه الناس عن كل شيئ حتى عن التعامل في السوق.

وكان من الواضح أن هذه العوامل، وإن كان لها تأثيرها على حجم التعامل وعلى الأسعار في السوق، إلا أنها لم تكن تعطي تبريراً شاملاً لانخفاض أسعار الأسهم في سوق الدوحة. وفي غياب المعلومات، تكفلت الإشاعات بتقديم التبرير المطلوب وأصبحت الموجه الرئيسي للأسعار في السوق. وفجأة ودون سابق إنذار تأكد ما رددته الإشاعات من أن هناك مشروعات لانشاء عدد من الشركات الجديدة هي على التوالي بروة العقارية ومصرف الريان واسمنت الخليج وبنك الخليج التجاري. وقيل يومها إن هناك عشرات الطلبات التي تقدم أصحابها لإنشاء شركات جديدة لا تزال قيد الدراسة في وزارة الاقتصاد والتجارة. وقد حدث ذلك في الوقت الذي سعت فيه الشركات القائمة إلى البدء في موجة جديدة من الزيادات على رؤوس أموالها.

المعروف أن إنشاء شركات جديدة أو التوسع في رؤوس أموال الشركات القائمة هو أمر إيجابي وينسجم مع التطور الكبير الذي يشهده الاقتصاد القطري. ولكن بشرط أن يكون ذلك بشكل مدروس وأن يأخذ بعين الاعتبار ظروف السوق ومدى حاجته الفعلية لهذه الشركات، وظروف السيولة المتاحة في السوق، ومدى منافسة الشركات الجديدة للشركات القائمة وتأثيرها على حصتها في النشاط، واتجاه أسعار الأسهم في سوق الدوحة للأوراق المالية.

تأثير الاكتتابات على سحب السيولة من السوق:

ويؤدي الإفراط في تأسيس الشركات الجديدة وفي زيادة رؤوس أموال الشركات القائمة إلى سحب جزء مهم من السيولة المتاحة في السوق، وقد يضطر المتعاملون إلى بيع ما لديهم من أسهم لتأمين السيولة المطلوبة للاكتتابات. ولكي نفهم كيف تأثرت السوق سلباً بموضوع الاكتتابات، نجري مقارنة بين ما حدث في الشهور الثمانية الأولى من عام 2005، وما حدث في الشهور السبعة التالية حتى الآن:

1- في الفترة الأولى تأسست شركة مساهمة واحدة فقط هي ناقلات بمساهمة حكومية 50% وبرأسمال مطروح للاكتتاب مقداره 280 مليون سهم أو 1400 مليون ريال، إضافة إلى شركة بنيان الخاصة التابعة للسلام وهي شركة صغيرة. وفي الفترة الثانية وكما ذكرنا أعلاه، تم الإعلان عن تأسيس أربع شركات برؤوس أموال ضخمة تم منها بالفعل مصرف الريان باكتتاب 330 مليون سهم أو 1650 مليون ريال للقطريين فقط، إضافة إلى الاكتتاب في أسهم دلالة في قطر ودانة في الإمارات، والإعلان مؤخراً عن تأسيس المصرف كأكبر بنك اسلامي في البحرين بمساهمة خليجية وقطرية فاعلة وبرأسمال مدفوع 36.5 مليار ريال!!!!

وفي الفترة الأولى كانت هناك زيادات على رؤوس أموال 7 شركات قائمة هي قطر للتأمين والملاحة والنقل البحري والعقارية والسلام والمتحدة والتنمية والتخصصي. وقد أثرت اكتتابات الزيادة في رؤوس الأموال سلباً على الأسعار في الفترة الأولى، وكانت من أسباب انخفاض أسعار الأسهم في شهري أبريل ومايو من عام 2005. ولكن زخم الطلب في تلك الفترة، كان قوياً على الأسهم وسرعان ما تم استيعاب الموقف وتجاوزت أسعار أسهم الشركات أو معظمها هذه المسألة.

2- وفي الفترة الثانية سبق البنك التجاري الجميع باكتتاب جديد في ديسمبر الماضي، وأعلنت 7 شركات نيتها زيادة رؤوس أموالها باكتتابات جديدة بعد عقد الجمعيات العمومية؛ وهذه الشركات هي المصرف والدولي والخليج للتأمين والسلام والإجارة والمخازن والتحويلية والتنمية، وهذه الاكتتابات المقترحة تتطلب أكثر من 6 مليار ريال لإتمامها، في وقت تعاني فيه السوق من ضعف شديد، فكان لمثل هذه الاقتراحات تأثير سيئ على الأسعار فدخلنا في حلقة مفرغة من الانخفاضات المتتالية نتيجة تفشي حالة من عدم الثقة والخوف من استمرار تدهور الأسعار.

وقبل أن اختتم هذا الاستعراض لأسباب تدهور الأسعار أشير في عجالة لعوامل أخرى أثرت سلباً على أسعار الأسهم منها انسحاب جزء من السيولة لأغراض التوسع العمراني، وانسحاب جزء آخر عند تأسيس صناديق الاستثمار، وخروج جزء مهم من الاستثمارات الأجنبية إما بسبب وجود بدائل في دول أخرى أو بسبب فقدان جاذبية الأسهم القطرية في الشهور السبعة الأخيرة.

سوق الأسهم إلى أين؟؟

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بشدة عما إذا كانت الأسهم ستواصل انخفاضها في الفترة القادمة أم أنها وصلت إلى القاع وأنها مرشحة للارتفاع من جديد؟

وفي هذا الصدد ينقسم الناس بين متشائم ومتفائل، والأول لا يرى للانخفاض نهاية قريبة، وأن إدراك المتعاملين لذلك سوف يدفعهم للهروب من السوق وبالتالي نظل ندور في حلقة مفرغة إلى أن نصل إلى نقطة توازن جديدة تصبح فيها الأسعار منخفضة جداً، يتوقف عندها التزاحم على البيع فتستقر الأسعار. ورغم أنني من فريق المتفائلين بوجه عام، إلا أنني كدت أنضم إلى فريق المتشائمين في الأسبوع الماضي، بعد أن هبط المؤشر دون مستوى 8500 نقطة. ولكن جملة من الشواهد بدأت تلوح في الأفق، أيقنت معها أننا اقتربنا من نهاية مرحلة التصحيح، وأننا بتنا على أبواب مرحلة جديدة. وقد تحدثت عن الشواهد في مقال الأسبوع الماضي بجريدة الشرق، وذكرت منها: اهتمام وزارة الاقتصاد والتجارة بالبحث عن حلول لأزمة السوق ولقاء سعادة الوزير بالمستثمرين، واهتمامه بما سمع من مقترحات يمكن أن تعمل على وقف التدهور في الأسعار؛ ومن ذلك التفكير في عدم إعطاء تصاريح إنشاء شركات جديدة في عام 2006، وعدم السماح للشركات بزيادة رؤوس أموالها إلا بضوابط معينة. ومن جهة أخرى وجدنا في الأيام الماضية أن أرقام التداول في السوق باتت تبشر بالتحول المنتظر ومن ذلك:

1- ازدياد حجم التداول وقيمته إلى 350 مليون ريال يوم الأحد، بعد ان كان قد تدنى إلى أقل من 200 مليون ريال في كثير من الأيام.

2- أن الانخفاض في مؤشر السوق قد تباطأ ولم يعد بـ 300 نقطة كما كان يحدث من قبل وإنما بعشرات النقط فقط، مع تحوله إلى اللون الأخضر هذا اليوم الاثنين وارتفاعه بـ 227 نقطة .

3- أن أسعار أسهم بعض الشركات قد توقفت بالفعل عن الانخفاض وبدأت في الارتفاع،

4- أن مؤشر السعر إلى العائد قد هبط إلى مستويات منخفضة مقارنة بما كان عليه قبل عام أو في سبتمبر الماضي وفق ما هو مبين في الجدول.

5- أن حجم الصفقات التي تمت خلال الأيام الماضية يشير بوضوح إلى دخول صناديق ومحافظ كبيرة إلى السوق للشراء عند هذه المستويات المتدنية.

6- أن النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد يسمح بدخول شركات أخرى دون أن يكون له تأثير كبير على أنشطة الشركات القائمة، وبالتالي لا خوف على شركاتنا القائمة من الشركات الجديدة، مع التأكيد على أن هذه الشركات القائمة تتمتع بمزايا عديدة الخبرة والدراية بالسوق ورصيدها من العملاء، وما عندها من احتياطيات مالية كبيرة.

وعلى ذلك، اعتقد بأننا مقبلون على ارتفاع في مؤشر السوق إلى قرابة 9800 نقطة. وقد يستقر السوق بعدها أو يتأرجح ما بين 9500-10000 نقطة، وقد تستمر هذه المرحلة إلى منتصف شهر مايو أو ربما إلى آخره. وإذا ما قامت الشركات القائمة بتنسيق مواعيد الاكتتابات في زيادة رؤوس أموالها بإشراف وزارة الاقتصاد والتجارة، فإن ذلك يكون مدخلاً لارتفاع الأسعار في النصف الثاني من السنة، وقد يتجاوز المؤشر 12000 في سبتمبر القادم. وهذا التوقع نابع من الثقة بأن أوضاع الاقتصاد القطري قوية جداً سواء من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي أو حجم الإنفاق الحكومي أو وضع ميزان المدفوعات. وأرجو أن تلاحظوا معي بأن ارتفاعاً إلى 12 ألف نقطة يعني زيادة بنسبة 20% عما كان عليه المؤشر في بداية العام 2006، وهي زيادة تبدو معقولة.

وبعد، فهذا رأيي الشخصي كمتابع ومحلل للسوق، وهو مع ذلك عرضة للتقلبات والتغيرات إذا ما استجدت عوامل ليست في الحسبان، إذ قد يتسارع ارتفاع الأسعار ويتجاوز المؤشر 10000 نقطة في ظل ظروف مواتية، أو يتباطأ في ظل ظروف غير مواتية، وبالتالي فهو صواب يحتمل الخطأ،،،،، ونسأل الله تعالى أن يعيد الثقة للمتعاملين وذلك كفيل بعودة الأسعار إلى الارتفاع.