كانت وجهة نظري التي عبرت عنها أكثر من مرة في متابعات سابقة أن الاقتصاد الأمريكي مرشح للتباطؤ بشدة هذا العام ، وأنه ربما يدخل في ركود في وقت لاحق بعد أن هبط معدل النمو في الربع الثاني إلى 2,0 بالمائة . وقد بدا لي أن كل المقدمات توحي بحتمية الوصول إلى هذه النتيجة انطلاقاً من تراجع مبيعات وأرباح الشركات الأمريكية ونزوع هذه الشركات إلى تقليص أعداد العاملين بها ، ومن ثم ازدياد معدل البطالة إلى 9,4 بالمائة في شهر أغسطس الماضي ، واستمرار الضعف في مؤشر ثقة المستهلكين . وكانت مؤشرات الأسهم أكثر دقة في التعبير عن حالة الضعف التي تنتاب الاقتصاد الأمريكي حيث كان مؤشر داو جونز حتى يوم 11/9 يقل بما نسبته 11 بالمائة عما كان عليه عند بداية السنة . وكان مبعث الاهتمام بما يجري للاقتصاد الأمريكي أنه الاقتصاد الأول والقائد بين اقتصادات دول العالم ، وأن ما يجري هنالك ينعكس على الاقتصادات الأخرى ومن بينها الاقتصاد القطري . . وبوجه خاص تتأثر أسعار النفط وأسعار الفائدة على الريال بما يجري في الاقتصاد الأمريكي ، كما أن الاستثمارات القطرية في الولايات المتحدة تتأثر باتجاه الأوضاع فيها إلى الأحسن أو إلى الأسوأ .
ومن هنا فإن عمليات التفجير الهائلة التي أصابت نيويورك وواشنطن في الأسبوع الماضي قد عمقت المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي وخلقت معطيات جديدة تدفع كلها باتجاه ركود اقتصادي في النصف الثاني من العام الحالي ونكتفي هنا بذكر بعض المؤشرات على ذلك .
1 – الخسائر الكبيرة لشركات التأمين .
2 – خسائر شركات الطيران واتجاها إلى تخفيض عدد العاملين بها .
3 – التكاليف الإضافية التي ستتحملها الشركات الأمريكية لتعزيز الحراسات والأمن .
4 – ارتفاع أسعار النفط والوقود إما بسبب الخوف من انقطاع الإمدادات من الدول المنتجة أو بسبب الطلب الإضافي الناجم عن عمليات عسكرية .
5 – انحفاض ثقة المستهلكين في الاقتصاد وبالتالي تراجع معدلات الإنفاق .
6 – وفاة أكثر من 5000 شخص ممن يشغلون وظائف .
7 – انتقال أكثر من 40 ألف متطوع من الحياة المدنية إلى العسكرية .
هذه المؤشرات تدفع كلها باتجاه المزيد من الضعف للاقتصاد الأمريكي في الشهور القادمة . . وقد سارع بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي إلى خفض معدل الفائدة على الدولار للمرة الثامنة هذا العام والثانية في غضون شهر واحد ليصل معدل الفائدة الاتحادية أي الاقتراض بين البنوك لليلة واحدة إلى مستوى 3 بالمائة مقارنة بـ 5,6 بالمائة مع نهاية العام الماضي . . ورغم هذا الإجراء فإن ذلك لم يمنع مؤشرات الأسهم الأمريكية من الانخفاض بنسبة 1,7 بالمائة لمؤشر داو جونز وبنسبة 7,6 بالمائة لمؤشر الناسداك في أول أيام التعامل بعد الأحداث .
ولأن الولايات المتحدة تجهز نفسها الآن لعمليات عسكرية فإن المستقبل القريب يحمل في طياته علامة استفهام كبيرة على مدى التورط الأمريكي المنتظر في حرب ضد عدو هو الإرهاب لا تعرف له مكاناً ولا زماناً ، ومن ثم فإن تأثير ذلك على الاقتصاد الأمريكي يصعب تقديره ولا التنبؤ به في الوقت الراهن .
وخلاصة ما أود أن أصل إليه في هذه المتابعة هو ما يلي :
1 – أن الاقتصاد الأمريكي ربما دخل في الربع الثالث الذي ينتهي مع نهاية سبتمبر الحالي في ركود اقتصادي وأن هذا الركودسيزداد عمقاً في الربع الرابع .
2 – أن أثر هذا الركود سيمتد إلى اقتصاديات الدول الصناعية في أوروبا وأسيا وإلى دول أمريكا اللاتينية .
3 – أن الطلب على النفط سينخفض بتأثير هذا الركود وأن على دول الأوبك أن تسمح بتراجع الأسعار إلى مستوى 22 دولاراً للبرميل وألا تحول دون ذلك بإجراءات اصطناعية كخفض الإنتاج كما هو الحال في الوقت الحاضر .
4 – أن على المستثمرين القطريين مراجعة استثماراتهم في أمريكا وعدم تركها فريسة التراجع المستمر في أسواق الأسهم لأن من غير المتوقع حدوث ارتفاع في الأسعار بقية هذه السنة على الأقل .