نصيحة لمؤتمر الأوبك اليوم «خذوها من قاصرها»

تشير كل الدلائل إلى أن الطلب على النفط يمر الآن بمرحلة تراجع بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي والمخاوف من دخوله مرحلة تراجع بعد أحداث التفجيرات التي هزت نيويورك وواشنطن في وقت سابق من هذا الشهر. وتبدو مهمة منظمة الأوبك أكثر صعوبة في الحفاظ على هامش سعري يتراوح بين 22 ـ 28 دولاراً للبرميل، بعد أن أكملت المنظمة ثلاثة تخفيضات هذا العام كان آخرها مع بداية شهر سبتمبر الحالي، عندما خفضت الإنتاج في مجموعها «وبدون العراق» إلى مستوى 2،23 مليون برميل يومياً. وفي ظل الأجواء الحالية التي تحشد فيها الولايات المتحدة كل ما يمكنها من عتاد وتستنصر بكل من يوافقها من دول العالم لشن حرب باتت وشيكة على ما تسميه معاقل الإرهاب في أفغانستان، فإن الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة على وجه الخصوص، بل وفي كثير من دول العالم يصبح بمرور الوقت حقيقة واقعة، باعتبار أن في الحرب هدراً للطاقات واستنزافاً للموارد، وفي أوقاتها يحدث عزوف عن الاستثمار وتقليص للاستهلاك، ومن ثم يتراجع الإنتاج.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد خاضت حرباً مماثلة في عام 1990 ضد العراق، فإن حربها اليوم ضد أفغانستان لن تكون على حساب الآخرين، وإنما سوف تتكفل هي بكل ما تتطلبه الحرب من نفقات وتضحيات باعتبار أن هذه الحرب هي حربها والقرار فيها قرارها، بل إنها في سبيل إكمال الحشد والاستنفار وجمع النصرة من الدول، بدأت تدفع من أموالها الكثير لجمع التحالفات.. وهي ـ في سبيل ذلك ـ تتنازل لهذه الدولة وتتسامح مع تلك، وتحذر تلك الجماعة وتهدد غيرها.. وراحت كل الدول تعيد حساباتها مع الولايات المتحدة لضمان الحصول على أكبر غنيمة ممكنة، حتى لو كان ذلك مقابل إعلان تأييد معنوي أو لتقديم معلومات استخبارية فقط.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد عانت من ركود اقتصادي إبان حرب الخليج الثانية مع العراق، وتضررت كثيرا في سنوات حربها في فيتنام، فإن اقتصادها مرشح في عام 2001 للدخول في ركود قد لا تخرج منه قبل عام 2003، ويدرك الأمريكيون هذه الحقيقة جيداً ويعرفون أن تسع سنوات كاملة من الانتعاش منذ نهاية عصر بوش الأب، لابد أن يعقبها تراجع وركود في ظل الظروف العادية، فما بالهم والبلاد تستعد لحرب لا يعرفون على وجه التحديد كيف ستبدأ ومتى ستنتهي!!

على ضوء هذا التصور لحالة الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي بوجه عام يبدو من الضروري أن تعمل دول الأوبك على إعادة حساباتها بشأن الطلب المنتظر على نفطها في عام 2002، وحتى لا تجد دول المنظمة نفسها وقد دخلت في سلسلة من التخفيضات المتتالية بدون طائل، فإن عليها أن تقبل بمبدأ تراجع الأسعار وأن تطبق الاستراتيجية التي وضعتها قبل عامين ونصف، والتي تقضي بخفض الإنتاج بواقع 500 ألف ب/ي كلما انخفض السعر دون مستوى 22 دولاراً للبرميل لمدة 20 يوم عمل متصلة. الجدير بالذكر أن المنظمة خفضت إنتاجها في سبتمبر الحالي بواقع مليون برميل يوميا قبل أن يتحقق الشرط المشار إليه، أي انها في واقع الحال عدلت الاستراتيجية لتصبح الدفاع عن مستوى 25 دولارا للبرميل مهما كلف ذلك من تضحيات. وذلك يعيدنا إلى سنوات الثمانينيات عندما ظلت المنظمة تخفض إنتاج دولها ـ وكان عددها آنذاك 13 دولة وليس 10 كما هو الآن بدون العراق ـ حتى وصل الإنتاج إلى أقل من 14 مليون برميل يوميا في أوائل عام 1986 دون أن يشفع ذلك في الحيلولة دون انهيار الأسعار، فانهارت بعد سنوات من التخفيض المستمر في الإنتاج، لتجد الأوبك بعدها أنها لم تخسر معركة الأسعار فقط، وإنما خسرت جزءاً كبيراً من حصتها في السوق العالمية لصالح الدول المنتجة الأخرى من خارج الأوبك. والأهم من هذا وذاك أنها خسرت ثقتها في نفسها وفي مصداقية أعضائها في الالتزام بالقرارات.

ولذلك نقول وبالعامية «خذوها من قاصرها» واسمحوا للأسعار بالتراجع حتى لو هبطت دون العشرين دولاراً للبرميل مع الحفاظ على حصة الأوبك في السوق العالمية، لعل ذلك يساعد على التخفيف من حدة الركود القادم، وكي يستعيد الاقتصاد العالمي عافيته بسرعة فيرتفع الطلب العالمي على النفط وتتحسن الأسعار بشكل طبيعي بأقل قدر من الخسائر.