سوق الأسهم القطرية إلى أين؟

سوق الأسهم القطرية إلى أين؟

إنه لشرف عظيم أن تتاح لي الفرصة كي أتحدث إلى الجمهور الكريم من خلال منبر نادي الجسرة الثقافي عن واحد من أهم الموضوعات التي باتت تشغل الرأي العام في دولة قطر في السنوات الأخيرة. وإني أنتهز هذه الفرصة لأتوجه بالشكر الجزيل للقائمين على إدارة هذا النادي على هذه المبادرة الطيبة التي تعكس حرص النادي على التفاعل الحي مع قضايا المجتمع المختلفة .

وأود أن أعبر عن امتناني وسعادتي بهذا الحشد الكبير الذي ملأ قاعات النادي، والذي إن دل على شيء فإنما يدل على مدى أهمية الموضوع المطروح على الساحة في هذا التوقيت بالذات، وعلى صلته الوثيقة بكل بيت من بيوتنا إن لم يكن بكل شخص منا. وأحسب أن هناك إدراك عام لدى أفراد المجتمع بأن ما حدث خلال الشهرين الماضيين في سوق الدوحة للأوراق المالية لم يكن حدثاً عابراً، وإنما هو نقلة نوعية وقفزة كبيرة نحو المستقبل. وقد اختلط في هذا الأمر، ما هو تطور طبيعي ومنطقي ومتوقع لاعتبارات موسمية، بعوامل أخرى بعضها طارئ ولكنه متوقع، والبعض الآخر مفاجئ وغير متوقع، فكان ما كان من وقائع فرضت نفسها على الساحة بقوة. ودعوني أذكركم ببعض الأرقام التي تعكس عمق التحول الذي طرأ على السوق في الفترة ما بين نهاية عام 2004 وحتى نهاية الأسبوع الأول من مارس أو بالتحديد حتى يوم 8 مارس أي في حوالي 9 أسابيع فقط:

1- أن مؤشر السوق زاد بنسبة 64.3%، ووصل إلى رقم قياسي هو 10671.9 نقطة، وهو ضعف ما كان عليه المؤشر قبل سنة في مارس 2004.

2- أن متوسط حجم التداول اليومي قد بلغ يوم 8 مارس 729 مليون ريال ونحو مليار ريال في يوم آخر, مقارنة بمعدل يومي 151 مليون ريال في ديسمبر الماضي واقل من نصف ذلك بداية عام 2004.

3- أن عدد الأسهم المتداولة يوم 8 مارس قد بلغ 4.4 مليون سهم مقارنة بـ 1.6 مليون سهم في ديسمبر .

4- أن القيمة الرأسمالية لأسهم جميع الشركات المدرجة في السوق قد بلغت يوم 8 مارس نحو 314.7 مليار ريال أي أكثر من ضعف ما كانت عليه مع نهاية ديسمبر 2004، وثلاثة أمثال ما كانت عليه قبل سنة تقريباً.

هذه الأرقام التي سنعود لها تفصيلاً بعد هذه المقدمة جعلت من سوق الدوحة في الفترة المشار إليها ظاهرة فريدة من نوعها بين الأسواق، ظاهرة تتميز بحدوث ما يعرف بـ لمت أب لمعظم أسعار أسهم الشركات بصورة يومية ومتلاحقة. بل ويحدث ذلك في وقت تجمد فيه مبلغ 13.9 مليار ريال قيمة الاكتتاب في أسهم ناقلات غاز. وهذا المبلغ بالمناسبة يزيد عن 30% من السيولة المحلية الممثلة في عرض النقد الواسع في دولة قطر!!!!.

وأن ترتفع الأسعار فذلك أمر مطلوب ومحمود وينسجم مع منطق الأشياء في دولة حققت نمواً اقتصادياً بمعدل 19-20% في العامين الماضيين، وفوائض كبيرة في موازينها المالية وحساباتها الجارية مع العالم. كما أنه نتيجة حتمية لحالة الاستقرار الأمني التي تنعم بها البلاد في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى وولي عهده الأمين. ولكن أن يحدث ذلك بمثل هذه السرعة الصاروخية فذلك أمر غير مشهود في أسواق العالم الأخرى، وتكون له عواقب ضارة على ما يعرف بالاستقرار المالي، وهو ما تحرص السلطات الماليةوالنقدية في دولة قطر على تجنب حدوثه بكل الوسائل الممكنة.

ولو كان السوق المالي سوق مستثمرين بنسبة مائة بالمائة ولا يتم البيع إلا للضرورة القصوى أو لتقسيم التركات، فعندها سترتفع الأسعار بصورة متدرجة تتناسب مع الأرباح المتحققة لكل شركة ونسبة النمو الاقتصادي في البلاد وحجم السيولة المتاحة ومعدلات الفائدة السائدة. آما وأن هنالك مضاربين يطمحون إلى تحقيق أرباح من جراء عمليات الشراء والبيع قصير الأجل فذلك يحتم حدوث موجات سعرية ما بين ارتفاع وانخفاض. ويزداد طول هذه الموجات (أي الفرق بين الارتفاع والانخفاض في الأسعار)كلما استخدم المضاربون أموالاً مقترضة أو غير مخصصة للاتجار في الأسهم، في تمويل صفقات قصيرة الأجل فيبيعون لجني الأرباح كلما ارتفعت الأسعار، ويعودون للشراء كلما انخفضت الأسعار عن مستوياتها الحقيقية. وعلى ذلك فإن انخفاض الأسعار أمر منطقي وهو ظاهرة صحية ودليل على حيوية السوق، وهو يختلف عن تعبير انهيار السوق الذي يحدث عندما يكون هنالك انخفاض كبير لأيام وأسابيع وشهور متتالية كما حدث لبورصات العالم أكثر من مرة أهمها في العام 1929 وفي عام 1987 وفي الفترة ما بين أبريل 2001-2003.

ولقد ارتفعت أسعار الأسهم القطرية في الأسابيع التسعة الأولى من العام 2005 بدرجة كبيرة كما أسلفنا، وسبق ذلك ارتفاع آخر – أقل حدة- في الفترة ما بين بداية نوفمبر وحتى منتصف ديسمبر، ووصلنا في الأيام الماضية من شهر مارس إلى مرحلة توقف فيها السوق عن الارتفاع وبدأ في التراجع. وبعد أسابيع من شيوع ظاهرة اشتر وانت مغمض وجد المتعاملون صعوبة في اتخاذ القرار الصحيح : هل نشتري أم نبيع؟ وماذا نشتري وبأي سعر؟ وإذا بعنا فمتى وبكم نبيع؟

لهذا كان تحرك نادي الجسرة مثالياً في توقيته وتسليطه الضوء على هذه القضية الساخنة في وقت راجت فيه الإشاعات وقلت الاجتهادات…وقت ندر فيه المحللون وكثر المفتون، فكان السؤال الكبير الذي طرحه نادي الجسرة: السوق القطرية إلى أين في ظل المستجدات والتطورات المتلاحقة؟

وأحسب أن هذا السؤال يهمنا جميعاً، خاصة في هذه الفترة التي تستعد فيها السوق لفتح أبوابها أمام غير القطريين بنسبة 25%… وقد انقسمت الآراء حول تأثير هذا الحدث الهام بين من يرى أنه سيؤدي إلى خلق المزيد من الطلب على الأسهم، وبالتالي يرفع الأسعار إلى مستويات أعلى، ومن يرى أن تأثير الموضوع قد سبق حدوثه، وأن ارتفاع الأسعار في الأسابيع الماضية قد أفرغ الحدث من محتواه أو مضمونه، وأن الأسعار ستنخفض قبل دخول غير القطريين وبعده حتى تتوازن الأسعار عند مستويات منطقية بالمقاييس المالية المتعارف عليها.

وقبل ان أجيب على هذا السؤال أشير إلى الأمور التالية:

أولاً: أنني في هذه الندوة بالذات أبحث عن اتجاهات الأسعارفي الفترة التي تمتد من منتصف مارس إلى منتصف شهر مايو أي مدة شهرين كاملين ولا أتجاوزها لأن توقع الأسعار لأبعد من ذلك مهمة غير مضمونة النتائج في ظل ظروف متغيرة.

ثانياً: أنني لا أحاول التأثير على مجريات الأسعار في السوق كما يتهمني البعض بذلك بل أحاول أن أقرأ اتجاهات الأسعار من المعطيات المتاحة، كي يستفيد من ذلك صغار المستثمرين. وتحليل الاتجاهات أمر مشروع في كل الأسواق وهناك مكاتب متخصصة تقوم بهذه المهمة لمن ليس لديه القدرة على ذلك. وأرجو أن تسمح وزارة الاقتصاد والتجارة بفتح مثل تلك المكاتب في قطر حتى يسمع الناس من ذوى الاختصاص بدلاً من ترك الحبل على الغارب لكل من ادعى أنه خبير أو محلل مالي.

ثالثاً: أنني فيما أتوصل إليه من آراء وما أعرضه من اجتهادات معرض للصواب والخطأ وعلى الذين يسمعونني أن يستخيروا الله في كل خطوة يقررونها لأنه وحده الذي يعلم السر وأخفى.

لكي نستشرف اتجاهات الأسعار في الفترة القادمة لا بد أن نحلل أسباب الارتفاع في الفترة الماضية ونقيس تأثير كل منها وما إذا كان هذا التأثير دائم أم مؤقت. وكما تعلمون فإن أسباب الإرتفاع كانت على النحو التالي:

أولاً: أسباب طبيعية موسمية تعود إلى اقتراب موسم جني الأرباح وما يصحبه من عمليات شراء واسعة للأسهم. وقد بدأ تأثير هذا العامل مبكراً في شهر نوفمبر وحتى منتصف ديسمبر مع الشركات المعروف عنها توزيع أسهم مجانية كشركات البنوك والتأمين. وبعد استراحة قصيرة لثلاثة أسابيع عادت الأسعار لتواصل ارتفاعها بتأثير هذا العامل وغيره. وبدراسة تأثير هذا العامل بالمقارنة بما حدث بالعام الماضي أي الفترة ما بين نهاية ديسمبر 2003 إلى 8 مارس 2004 نجد أن نسبة الزيادة في المؤشر كانت 18% ، والزيادة في متوسط حجم التداول 22.4% والزيادة في القيمة الرأسمالية في حدود 12.7%. وبالنظر إلى حدوث نمو اقتصادي كبير في عام 2004 بنسبة 20.5% فإن النسب تتعدل إلى الأعلى فتصبح 22% و27% و16% على التوالي.

ثانياً: أسباب طارئة ولكنها متوقعة، وتتلخص في قرار السماح لغير القطريين بتملك ما نسبته 25% من الأسهم القطرية اعتباراً من 3 أبريل. والجزء الأول من الخبر يعتبر طارئ على السوق القطرية باعتبار أن هذا التملك لم يكن مسموحاً به إلا في كيوتيل والسلام ، مع تسع شركات أخرى كانت مفتوحة بنسبة 25% للخليجيين فقط، دون أن تكون هناك ممارسات فعلية إلا في أضيق الحدود. وفي المقابل فإن الخبر كان متوقعاً منذ يوليو الماضي وليس جديداً ولكن تأثير الخبر عند إعلانه في الصيف كان محدوداً ربما لأن تنفيذه تطلب وقتاً طويلاً (قالوا 6 شهور)، أو لأنه صدر مع قانون التستر الذي كان له أثر عكسي على السوق. وبعد أن تحدد تاريخ دخول غير القطريين للسوق يوم 3 أبريل فإن هذا الإعلان قد جاء في وقت كانت فيه السوق منتعشة بسبب موسم الأرباح، وسرى اعتقاد بأن دخول الأجانب سيزيد الطلب على الأسهم فترتفع أسعارها… فأقبل الخليجيون على شراء الأسهم المسموح لهم بها وشراء الأسهم الأخرى بأسماء قطريين.

ثالثاً : ترددت أقوال مفادها أن هناك دعم حكومي للاسهم المحلية وأن ذلك يتم عن طريق المحافظ الاستثمارية لمؤسسات القطاع العام، وقد وصلت هذه المقولة للأفراد فشجعت الكثير منهم على الاقتراض بأكبر قدر ممكن من البنوك المحلية ومن الخارج للاستفادة من أوكازيون الأسعار.

وليس هناك من تقديرات لحجم ما تحقق من مشتريات خليجية مباشرة أو بأسماء قطريين، كما لا يوجد أرقام حول مشتريات مؤسسات القطاع العام أو الأفراد الذين اقترضوا لتمويل صفقات أسهم في هذه الفترة. إلا أن هذه العوامل في مجموعها قد أحدثت الزيادة الإضافية في المؤشر وحجم التداول والقيمة الرأسمالية للسوق، أي زيادة في المؤشر بنسبة 44.3%، وفي حجم التداول بنسبة 355% وفي القيمة الرأسمالية بنسبة 97%.( لاحظوا معي أن هذه النسب حصلنا عليها بطرح نسب التغير الناتجة من العامل أولاً من التغيرات الكلية التي حدثت في الفترة ما بين نهاية ديسمبر2004 و 8 مارس2005 ).

ومن المنطقي أن نتصور أن الدعم الحكومي لنظرية رفع أسعار الأسهم سوف يستمر خلال الفترة القادمة، كما أن الأموال العائدة من ناقلات غاز تساهم في الوقت الراهن في دعم استقرار الأسعار بل وحدوث المزيد من الارتفاع على أسهم شركات أخرى . وفي المقابل فإن جزءاً من الأموال التي دخلت السوق في هذه الفترة لا بد وأن تخرج ثانية وأقصد بذلك:

1- أموال غير القطريين التي دخلت السوق بأسماء قطرية، فهذ يجب أن تخرج لتدخل بعد ذلك بأسماء أصحابها.

2- الأموال التي اقترضها قطريون للاستفادة من أوكازيون الأسعار، فطالما أن هذه الأموال قد حققت أرباحاً كبيرة فإن بقاءها في السوق أثناء فترة التصحيح يؤدي إلى تقلص تلك الأرباح المتحققة. وينسحب هذا الكلام على جزء من أموال المحافظ الاستثمارية القطرية التي دخلت السوق بشكل مؤقت وقصير الأجل.

وخلاصة هذا التحليل ما يلي:

1- أن الانخفاض التصحيحي في الأسعار الذي بدأ في الأسبوع الماضي لم ينته بارتفاع الأسعار هذا اليوم بل يمكن أن يعود في الفترة المتبقية على 3 أبريل، وأن ذلك لا يعني بالضرورة تراجع أسعار كل الأسهم وإنما أسهم الشركات التي لم يعد لديها مفاجئات أو إشاعات أو زيادة في رأس المال على الأقل.

2- أن المؤشر قد يتراجع في فترة التصحيح إلى مستوى يتراوح ما بين 8500-9000 نقطة ، وأن القيمة الرأسمالية للسوق ستهبط إلى 250 مليار أو أقل.

3- أن أسعار أسهم الشركات بوجه عام وخاصة في قطاعي الخدمات والصناعة ستواجه ضغوطاً في فترة التصحيح ولكن الانخفاض لن يكون بأكثر من 30% من أعلى ارتفاع وصله سعر السهم في الفترة الماضية

4- أن هذا الإنخفاض المتوقع سوف يفتح الباب لعودة الأسعار ثانية بعد دخول الأجانب، إذ سيجد هؤلاء أن الأسعار باتت معقولة مقارنة بما كانت عليه قبل أسابيع فيقبلون على الشراء وتعود الأسعار إلى الارتفاع ثانية

5- أن الفترة بعد دخول الأجانب لن تكون مع ذلك فترة ارتفاع سريع كما حدث في الأسابيع التسعة الأولى من العام بل قد تكون فترة يحدث فيها جس نبض لحركة السوق واتجاهاته ، بما يمهد لعودة السوق إلى نمط اعتيادي… ولا أقصد بالنمط الاعتيادي العودة لما كان عليه الحال في عام 2004 ولكن العودة للموجات السعرية صعوداً وهبوطاً وإن عند مستويات أعلى من ذي قبل.