قراءة في بيان الموازنة العامة للدولة 2005/2006

تحمل الموازنة العامة للدولة للعام 2005/2006 أنباء طيبة عن وضع الاقتصاد القطري في سنة قادمة، هي السنة العاشرة لتولي حضرة صاحب السمو الأمير المفدى مقاليد الحكم في البلاد. وقد حفل بيان وزارة المالية لذلك بأرقام تعكس مدى التطور الهائل الذي أصابه الاقتصاد القطري ما بين عامي 1995 و 2005، وبوجه خاص في مجالات إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز المسال وحجم الناتج المحلي الإجمالي. وقد تحدث البيان بعد ذلك عن توجه الحكومة لتنويع مصادر الدخل ليشمل إلى جانب النفط، الغاز المسال ومشتقاته، والبتروكيماويات، مع نمو القطاعات الأخرى عن طريق التكامل الرأسي والأفقي مع قطاعي النفط والغاز والصناعة التحويلية. وبخلاف ما تقدم، فإن بيان وزارة المالية كان شحيحاً في الأرقام ولم يتضمن تفصيلات وافية عن حجم الإنفاق على المشروعات الرئيسية كما جرت بذلك العادة في السنوات الماضية. على أنه يمكن استخلاص مجموعة من المؤشرات الرئيسية عن الإيرادات العامة والسياسة المالية للدولة، نجمله في الآتي:

أولاً: أن هناك زيادة بنسبة 45% في الإيرادات المقدرة للعام الجديد، لتصل إلى 38 مليار ريال، وأن هذه الزيادة قد جاءت أساساً من زيادة السعر المقدر لبرميل النفط الخام من 19 إلى 27 دولار للبرميل. وقد شجع على ذلك ارتفاع سعر النفط في عام 2004 إلى 36 دولار للبرميل وبلوغه في الأسابيع الأخيرة إلى مستوى 50 دولاراً للبرميل.وبالطبع هناك زيادة في الإيرادات نتيجة زيادة صادرات الغاز المسال والمنتجات الأخرى. هذ الزيادة في الإيرادات تُفسح المجال لزيادة الإنفاق على نحو ما سيرد ذكره تالياً، مع تحقيق فائض في الموازنة العامة للدولة للسنة الخامسة على التوالي. ومثل هذا الفائض يتم توجيهه إلى سداد جزء آخر من الدين العام، وهو ما يعني ضمنا عدم وجود حاجة لأي زيادات في الرسوم أو الضرائب إضافة إلى عدم الحاجة إلى إصدار سندات الدين العام، إلا إذا كان ذلك لإحلالها محل سندات قائمة.

ثانياً: أن المصروفات العامة المقدرة للدولة قد زادت بنسبة 33% أو نحو 9.5 مليار ريال إلى 37.81 مليار ريال، وأن جزء من هذه الزيادة مقداره 2.8 مليار ريال قد طرأ على مخصصات المشروعات الرئيسية، في حين أن بقية الزيادة قد ذهبت إلى بنود الإنفاق الرئيسية الأخرى، أو لسداد جزء من الدين العام كما أسلفنا.

ثالثاً: أن مشروعات قطاع التعليم، وبخاصة المؤسسات التعليمية الأخرى خارج مصروفات الوزارة، وكذلك مخصصات الخدمات الصحية ومنها المدينة الطبية وبناء برج طبي متكامل وتوسعات في المرافق الصحية القائمة، قد استحوذت على أكثر من 8 مليار ريال من مخصصات بند المشروعات الرئيسية. وذلك يُظهر مدى الاهتمام الكبير الذي تبديه الدولة للاستثمار في هذين القطاعين- باعتبارهما مظهراً من مظاهر الاستثمار في التنمية البشرية- مما جعلهما أحد المحاور الأربعة التي تقوم عليها السياسة المالية للدولة.ومن المنتظر أن يستمر هذا الاتجاه في السنوات الأربعة التالية كما صرح بذلك سعادة وزير المالية في وقت سابق من هذا العام.

رابعاً: أن مشروعات البُنية التحتية بما تشمله من مشروعات في مجال الطرق والمواصلات والصرف الصحي والكهرباء والماء وبناء واستكمال 2270 مسكن شعبي وتجهيز منطقة الصناعات الخفيفة والمتوسطة، إضافة إلى مخصصات استملاك الأراضي، قد حظيت في مجملها بمخصصات غير واضحة في بيان الموازنة، وإن كانت الأرقام المُعطاة تتحدث عن زيادة مقدارها 2.2 مليار ريال في حجم المخصصات المعتمدة لهذه المشروعات من 7751 مليار في موازنة العام الماضي إلى 9982 مليار هذا العام.

خامساً: إن الزيادة في الإنفاق على النحو المشار إليه تضمن استمرار التطوير في الخدمات المقدمة للمواطنين، وفي الإرتقاء بمستوى الُبنية التحتية على نحو يليق بدولة قطر صاحبة أعلى متوسط دخل للفرد في العالم، إذ من المقدر حسب التقديرات المعطاة للناتج المحلي الإجمالي لعام 2005 وهو 121.5 مليار ريال أن يصل المتوسط إلى 42 ألف دولار سنوياً، بافتراض أن عدد السكان سيصل إلى 789 ألف نسمة. وبمثل هذه السياسة التوسعية في الإنفاق، لن يكون بالإمكان تحاشي حدوث زيادة جديدة في معدل التضخم الذي تجاوز 7% مع نهاية عام 2004.