ما حدث بالأمس في السعودية ودبي من تحول في اتجاه السوق وارتفاع أس 014.0 عار الأسهم يعكس بوضوح مدى أهمية التدخل الحكومي عندما تخرج الأمور عن السيطرة ، ويتحول الانخفاض التصحيحي إلى تدهور كبير ومستمر. وهذا التدخل لا يقتصر فقط على عمليات الشراء المباشرة للأسهم وإنما قد يأتي ذلك بقرارات تنظيمية تعلنها الحكومة أو هيئاتها ومؤسساتها المختلفة. وفي هذا السياق نفهم التوجيهات التي صدرت عن العاهل السعودي بالنظر في تجزئة الأسهم، ودراسة سبل السماح للمقيمين من غير السعوديين بالإتجار في الأسهم السعودية. كما ناشد العاهل السعودي الهيئات والأفراد التمسك بأسهمها وعدم بيعها في الوقت الراهن باعتبار أن في ذلك خدمة لمصلحة الوطن. هذا التحرك من جانب السلطات السعودية أعاد الثقة في السوق السعودي، ودفع الأسعار إلى الارتفاع بقوة بالحد الأقصى في الجلسة المسائية ليوم أمس، وفتح المجال لمزيد من الارتفاعات القوية في الأيام التالية. ومن جانب آخر أعلنت حكومة دبي أنها قررت وقف الاكتتابات الجديدة حتى يصبح السوق قادراً على استيعاب ما يتم طرحه من أسهم دون التأثير سلباً على أسعار الأسهم في السوق الثانوي.
ولقد كانت دولة قطر سباقة في إظهار الاهتمام بحال السوق المحلي، وصدرت بعض القرارت التي صبت في مصلحة الاستقرار. وأظهرت وزارة الاقتصاد والتجارة رغبة أكيدة في البحث عن حلول لما تمر به السوق من مشاكل، ونفذت بالفعل بعض الاقتراحات التي قدمت إليها مثل تجميد الاكتتابات الجديدة وعدم الموافقة على كل الاقتراحات المقدمة إليها بشأن زيادات رؤوس أموال الشركات. كما أن الحكومة القطرية كانت سباقة في السماح لغير القطريين بتداول الأسهم القطرية.
إلا أن عودة السوق إلى الانخفاض بشدة هذا الأسبوع قد أظهرت بوضوح أن أزمة الثقة كانت أكبر من اللازم، وأن الأمر بحاجة إلى مزيد من الإجراءات العاجلة والفورية لمنع انزلاق الأمور إلى مزالق خطرة.
ولمزيد من الشرح والتوضيح أقول، إن سوقنا المحلي كان بحاجة إلى دعم مباشر في هذه الفترة حتى لا تحدث انتكاسة تدفع الجميع إلى التفكير في الهروب من السوق في لحظة واحدة. فالمعروف للمحللين أن انخفاض الأسعار بأكثر من 30% من حجم الارتفاع السابق يدفع المتعاملين إلى البدء في تسييل مراكزهم، وأنه إذا تجاوزت نسبة الانخفاض نسبة إلـ50% فإن ذلك يكون مؤشراً على تحول أساسي في اتجاه السوق. ولو كان هناك نوع من التدخل المباشر خلال اليومين الماضيين، لأمكن تجاوز هذه المرحلة ولأعطى الأسعار والمؤشر دفعة قوية لمواصلة الارتفاع وعدم الانتكاس. وقد حدث أن عادت الأخبار عن وجود اكتتابات في شركات جديدة إلى الواجهة في الصفحات الرئيسية، وأعني بذلك الحديث عن اكتتاب في شركة استثمارية برأسمال مليار دولار يشارك في تأسيسها مصرف قطر الإسلامي وبيت التمويل الخليجي وبنك ماليزي، على أن تباشر عملها في مركز المال والأعمال.
على أي حال، نأمل أن يكون ما حدث في السعودية ودبي ومن قبل في الكويت، بداية لعودة الثقة في أسعار الأسهم في كل المنطقة، وعلى المتعاملين أن يدركوا أن حكومتنا الرشيدة حريصة على الأمن الاقتصادي للمواطن والمقيم وأنها لن تدخر وسعاً في اتخاذ كل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف. صحيح أننا لا نطالب بأن يكون مثل هذا التدخل هو الأصل والقاعدة في عمل الأسواق، بل أن يكون تدخلاً استثنائياً فقط عندما تدعو الحاجة له، وحتى تصل السوق إلى مرحلة من النضج الكافي يؤهلها للعمل بدون تدخل.
واعتقد أن رد فعل السوق القطري سيكون اليوم الخميس إيجابياً على عكس ما حدث في الأيام الماضية، ولكنه مع ذلك بحاجة إلى نوع من المؤازرة والمساندة الحكومية بكل الوسائل الممكنة. وعلى المحافظ الاستثمارية والصناديق الكبيرة أن تثبت أنها لا تعمل فقط من أجل تعظيم أرباحها وأنها تهتم أيضاً بالاستقرار المالي في البلاد.