هل يوقف قرار مجلس الوزراء الموقر كُرة الجليد المتدحرجة

صدور قرار من مجلس الوزراء الموقر بالسماح للشركات المساهمة بشراء حصة من أسهمها في السوق يُظهر بوضوح أن السلطات العليا في هذا البلد مهتمة جداً بما يجرى في سوق الدوحة للأوراق المالية، وأنها راغبة في وقف التدهور المخيف في الأسعار بعد أن هبط المؤشر إلى 7100 نقطة أو ما نسبته 44% من أعلى مستوى وصله في سبتمبر الماضي. وقد كنت قد نتاولت هذا الموضوع بالتحليل في مقال استثنائي يوم الأحد الماضي تحت عنوان هل تشتري الشركات حصصاً من أسهمها؟ وقد قصدت من المقال أن أنبه المتعاملين إلى أنه إذا صدر قرار من هذا القبيل، فإنه سيساعد الأسعار على التماسك ويوقف تدهورها. ولكن صرختي ذهبت هذا الأسبوع أدراج الرياح وسادت في السوق عمليات بيع مكثفة لم يكن لها لزوم أو مبرر إلا الخوف من الإنهيار أوالرغبة في وقف مسلسل الخسائر، خاصة بالنسبة لأولئك الذين اشتروا أسهماً بأموال مقترضة أو مقابل رهن ما لديهم من أسهم.

ولقد صدر القرار الآن، رغم أنني لم أكن أتوقع صدوره بهذه السرعة، حيث أن الأمور التشريعية غالباً ما تستغرق وقتاً طويلاً، ولكن صدوره على هذا النحو يريح جميع فئات المجتمع التي كان يزعجها ما يبدو على السطح من سكوت الجهات المسؤولة. ولقد كان ما حدث في حلقة الأحد الماضي من برنامج إحداثيات اقتصادية بتلفزيون قطر خير شاهد على ما أقول.

على أنني أعترف أن صدور القرار بمفرده لن يكون حلاً للمشكلة برمتها ما لم تتضافر معه عناصر أخرى مهمة أوجزها في الآتي:

1- أن يكون هناك وضوح في سياسة وزارة الاقتصاد والتجارة بشأن السوق، فإما أن تكون الوزارة مؤمنة بضرورة ترك السوق لعوامل العرض والطلب، أو أنها ترى أن هبوط الأسعار إلى هذا الحد ليس له مبرر وأن لديها خططاً لوقف تراجع الأسعار. وفي كل الأحوال فإن الشفافية تبدو ضرورية لأن الأمر يتعلق بمصالح الناس الحيوية بل وبحياتهم أيضاًً. لقد خسر سوق الأسهم في تسعة شهور ما قيمته 163 مليار ريال، وقد لحق بالناس العاديين جزءاً كبير من هذه الخسارة، وسينجم عن ذلك بالتأكيد أضرار اجتماعية جسيمة وهو ما يستدعي بالضرورة أن يكون لدينا وضوح كبير في كل الأوقات وفي هذا الوقت بالذات بما يجري.

2- إن تنفيذ القرار الجديد سوف يتطلب بعض الوقت، باعتبار أن التنفيذ سيكون ضمن ضوابط محددة، وليس مفتوحاً لكل شركة كي تشتري وتبيع أسهمها في أي وقت شاءت. ومن هنا يجب توضيح هذا الأمر للجمهور في وسائل الإعلام المختلفة حتى يكونوا على بينة من التأثير المحتمل للقرار. وإذا كانت ردة الفعل الأولية للقرار ستكون في توقف الناس عن البيع واندفاعهم للشراء، فإن تقاعس الشركات عن التنفيذ، أو –عدم قدرتها على التنفيذ السريع- سوف يكون له رد فعل سلبي عنيف، بعد فترة قليلة من الزمن. من هنا يلزم توضيح الأمر للجمهور حتى لا يستنتجوا أن القرار غير مجدي.

3- أن التنفيذ الناجح للقرار الذي يصل بالسوق إلى بر الأمان يستلزم أن تكون هناك إجراءات أخرى داعمة له من قبيل، التدخل المباشر والمدروس من جانب بعض الصناديق الحكومية أو شبه الحكومية، وأن تصدر بعض القرارات التي من شأنها وقف إنشاء الشركات الجديدة أو الزيادات في رؤوس أموال الشركات القائمة لفترة من الزمن.

4- أن تقوم وزارة الاقتصاد تشكيل لجنة لدرسة الأسباب المؤدية لإنهيار السوق، ومنها على وجه الخصوص مراجعة مسألة الضوابط المتعلقة بموضوع الاكتتابات المستقبلية بما يزيل التعارض القائم بين مصالح الناس في السوق الأولي ومصالحهم في السوق الثانوي.

5- أن يتم تعيين متحدث رسمي باسم وزارة الاقتصاد للرد على أسئلة وسائل الإعلام المختلفة بشأن ما يستجد من أمور، وأن يكون لدى هذا المتحدث الصلاحية الكاملة للتحدث.

وبعد فإننا نرجو من الله أن تتجاوز البلاد هذه الأزمة الطاحنة التي عصفت بمقدرات ومدخرات الناس، وأن تكون قطر نموجاً يُقتدى به في حل الأزمات المالية. ومرة أخرى فإن ما قلته أعلاه يعبر عن رأيي الشخصي والذي أرجو أن يكون صواباً .