بشير يوسف الكحلوت
النتائج التي أسفر عنها التداول على أسهم شركة فودافون في يومه الأول وفي أسبوعه الأول تشير بوضوح إلى انتهاء حقبة من الزمن بدأت مع الاكتتاب في أسهم صناعات عام 2003 وبلغت ذروتها في عام 2005 في اكتتاب أسهم ناقلات ودلالة، عندما كان سعر السهم عند طرحه للتداول يزيد عن أضعاف سعر الاكتتاب دونما مبرر لذلك، اللهم إلا وجود طلب مرتفع جداً تدعمه سيولة عالية؛ محلية وأخرى أجنبية. وقد جاء الاكتتاب في أسهم شركة فودافون في ظروف مغايرة تماماً للظروف التي سادت في الفترة السابقة 2003-2008 باستثناء عام 2007 ، وكان من الطبيعي أن تكون النتائج مختلفة خاصة وأن الاكتتاب قد أُستكمل بالكاد وحصل كل مكتتب على ما طلبه من أسهم ، ومن ثم لم يكن هناك مبرر لطرح السهم في أول أيام التداول بأكثر من قيمته الإسمية البالغة عشرة ريالات. ومع ذلك كان هناك من يتوقع أن يُطرح السهم بعشرين أو ثلاثين ريالاً في اليوم الأول وأن يتناقص بعد ذلك بحيث يقترب من سعر الاكتتاب!!!!.
وقد طلب مني كثيرون أن أكتب عن توقعاتي لسعر التداول كما فعلت في مرات سابقة مع صناعات وناقلات وغيرها، فرفضت لإدراكي أن ما أكتبه لن يعجب المكتتبين وسيجلب عليَّ نقمتهم، بل وربما قد يتهمني بعضهم بالمسؤولية عن التأثير على السوق وفي انخفاض السعر، ولهذا آثرت الصمت. ولقد كان تقديري أن عدد من العوامل الراهنة ستحول دون ارتفاع السعر فوق مستوى سعر الاكتتاب ومن هذه العوامل ما يلي:
1- أن الاكتتاب قد تمت تغطيته بالكاد، لوجود من شكك في سلامة الاكتتاب من الناحية الشرعية، وبالتالي فإن الموقف هنا يختلف عن الحالات السابقة التي تمت تغطيتها بأضعاف القيمة المطروحة للاكتتاب.
2- أنه رغم قيام البنوك بما في ذلك البنوك الإسلامية بتمويل عمليات الاكتتاب للمواطنين، إلا أن ذلك كان في إطار محدود حيث اقتصر على القطريين دون الخليجيين، كما أن تداعيات الأزمة العالمية كانت واضحة الأثر في فترة الاكتتاب مما قلص الرغبة لدى الجمهور في الاكتتاب إلا بالحد الأدنى ودونما الحاجة إلى الاقتراض أو السعي إلى شراء البطاقات لملئها بالحد الأقصى كما حدث في اكتتاب ناقلات.
3- أن أسعار الأسهم في السوق بوجه عام كانت في حالة تدهور، وذلك أثر على ثقة الجمهور في إمكانية تحقيق أرباح سريعة من وراء الاكتتاب، كما أن هذا الانخفاض في أسعار الأسهم -في فترة الاكتتاب-إلى ما يقارب أسعارها الإسمية، قد كان سبباً كافياً للظن بعدم ارتفاع سعر سهم فودافون عند طرحه للتداول. ولقد ذهب بعض من اتصلوا بي في فترة الاكتتاب إلى السؤال عما إذا كان من المتوقع أن يهبط سعر السهم دون سعر الاكتتاب، فأكدت لهذه الفئة من الناس أن ذلك لن يحدث لعدة أسباب من بينها أن من اشترى بأكثر من عشرة ريالات للسهم لن يكون مغرماً للبيع عند طرحه للتداول بخسارة، كما أن ضعف حجم الاكتتاب الذي كان بادياً بوضوح يشير إلى أن عنصر الاقتراض بهدف الربح السريع كان غائباً في هذا الاكتتاب، مما يقلل من نشوء ضغوط على سعر السهم عند طرحه للتداول. ومن جهة أخرى فإن كبار المستثمرين المكتتبين في أسهم الشركة-وبعضهم شركات كبيرة لها وزنها- سوف يعملون على مقاومة هبوط السعر دون قيمته الإسمية. وربما كان هذا العامل هو الدافع لارتفاع سعر السهم إلى 13 ريالاً في الساعة الأولى للتداول في اليوم الأول قبل أن يتراجع السعر إلى أقل من أحد عشر ريالاً.
والحقيقة أنه طالما كان هناك من يمتلك ملايين الأسهم من فودافون، فإن إقدام البعض منهم على شراء عشرات الآلآف من الأسهم الإضافية لرفع السعر في السوق، يكون أمراً متوقعاً، باعتبار أن ذلك يدفع الجمهور إلى الشراء ويمنع المكتتبين من البيع أملاً في البيع بأعلى سعر، خاصة وأن السعر يكون معوماً في اليوم الأول. ولكن بسبب الحقائق القائمة في السوق والمشار إليها أعلاه فإن هذه العمليات لم تستمر لأكثر من ساعة، وسرعان ما انقلب الحال وعاد المشترون إلى البيع، قبل أن يجني غيرهم ثمار ما زرعوه.
وقد يكون من العوامل التي ستساعد على استقرار سعر السهم في الأسابيع القادمة أن أسعار الأسهم بوجه عام ستميل إلى الارتفاع لعوامل محلية شرحتها في مقالي السابق ولظروف عالمية مستجدة بدأت ترجح خروج الاقتصاد الأمريكي من الأزمة مع نهاية العام الحالي أو قبله. كما أن بعض العوامل الذاتية في الشركة ستساعد سهمها على الاستقرار والارتفاع في الأسابيع القادمة ومن ذلك سمعة الشركة وقدرتها على ترويج مبيعاتها واستقطاب جزء مهم من الجمهور لخدماتها وخاصة لجهة خفض تكلفة الدقيقة الواحدة في المكالمات الدولية إلى نصف ريال.
واختم هذا المقال بالقول بأن اكتتاب فودافون قد أعاد الأمور إلى نصابها بحيث خلص عملية الاكتتاب ذاتها من المضاربة الضارة التي ألحقت الضرر بكثير من المستثمرين الذين أشتروا بأضعاف القيمة الحقيقية لقيمة السهم في شركات أخرى. فالتهافت على شراء أسهم ناقلات بأكثر مما هو مطلوب قد ولد طلباً شديداً رفع سعر السهم إلى ما بين 10-16 ضعف سعر الاكتتاب في الشهور الأولى وليس فقط الأسبوع الأول، رغم أن الشركة أكدت للجميع أنه لن توزع أرباح قبل عام .2010، إلا أن عدم فهم حقائق الأشياء قد تسبب في مثل هذه الأخطاء، ولم يكن من الممكن تصحيح تلك المفاهيم إلا بعد مرور نحو ست سنوات. وعلى ذلك يمكن القول الآن أن الأسعار في السوق تبدو منطقية وأن نموها سكون منطقياً بقدر ما تحقق الشركات من أرباح وما تعكسه ميزانياتها من أوضاع قوية. وبعد فهذا رأيي فيما حدث عند طرح أسهم فودافون للاكتتاب ثم عند طرحها للتداول، ولا أظنه إلا رأياً صواباً رغم أنه قد يحتمل الخطأ