كيف اثرت أزمة اليونان المالية على أداء البورصة

كان للمخاض العسير الذي تمر به الأزمة المالية لليونان، وتعثر محادثات اليونانيين أحياناً مع شركائهم الأوروبيين في منظومة الاتحاد النقدي، ومع صندوق النقد الدولي تأثير سيئ على بورصات العالم أجمع، ولم تكن بورصات الخليج ومنها بورصة قطر بمنأى عما يجري من حولنا. ولم يكن ذلك بسبب ارتباطات مباشرة للبنوك القطرية أو الخليجية في الديون اليونانية، وإنما بسبب انفتاح أسواق وبورصات المنطقة على الاستثمارات الأجنبية. وتشير بيانات البورصة الأسبوعية إلى أن عمليات غير القطريين خلال الأسبوع كانت بالبيع الصافي، أي أن مجمل مشترياتهم من الأسهم كانت تقل عن مبيعاتهم منها بقيمة 9.1 مليون ريال هذا الأسبوع(الرابع)، وبقيمة 20.5 مليون ريال في الأسبوع الثالث، وبقيمة 25.1 مليون ريال في الأسبوع الثاني من أبريل، وأن مجمل عملياتهم في ستة أسابيع كانت بالبيع الصافي بقيمة 152.3 مليون ريال. هذا البيع الصافي الذي كان يتم وفق تقديرات تتعلق بتطورات خارجية هو الذي أوقف انطلاقة البورصة التي بدأت منذ منتصف مارس، وجعل المؤشر يخسر هذا الأسبوع نحو 95.5 نقطة وبنسبة 1.25% ليصل بها إلى مستوى 7547 نقطة عند إقفال يوم الخميس. وقد شهد الأسبوع تراجعاً في مجمل قيمة الأسهم المتداولة بنسبة 2.8% إلى 1.6 مليار ريال، رغم أن عدد الأسهم المتداولة قد ارتفع في نفس الفترة بنسبة 13.5%. ويعود هذا التناقض ما بين زيادة عدد الأسهم المتداولة وانخفاض قيمتها الإجمالية إلى أن الأسهم التي ارتفعت أو زاد التداول عليها هي من الفئات الصغيرة كالمواشي والطبية والرعاية وبروة، في حين انخفض التداول على صناعات والوطني والتجاري. كما انخفضت القيمة الرأسمالية لجميع الأسهم بنسبة 0.1% إلى 411 مليار ريال.

وقد استكملت كافة الشركات المساهمة خلال الأسبوع الإعلان عن نتائجها المالية للربع الأول من العام 2010، وكانت في مجملها جيدة حيث سجلت زيادة عن أرباح نفس الفترة من العام الماضي بنسبة 15.7% لتصل معها إلى 7.5 مليار ريال مقارنة بت 6.8 مليار ريال في الربع المناظر من عام 2009. وسجلت قطاعات البنوك، والتأمين، والخدمات زيادات في أرباحها بنسب 2.6%، و 18.51% ، و 75% على التوالي، فيما انفردت أرباح قطاع الصناعة بتحقيق تراجع بنسبة 10.6%. وقد أشرت في تحليل سابق إلى أنه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أرباح بعض الشركات في الربع الأول من العام الماضي كان نتيجة دعم حكومي مباشر، فإن ذلك يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن أرباح هذا العام أفضل بكثير مما تُظهره الأرقام والنسب المشار إليها أعلاه.

وبالنتيجة، فإن أسعار أسهم الشركات المدرجة في البورصة بوجه عام كان يجب أن ترتفع وأن يصل المؤشر خلال الأسبوع الحالي إلى مستوى 8000 نقطة ليعكس حقيقة أن تلك الشركات قد تجاوت تداعيات الأزمة المالية العالمية، وأن تحسن النتائج، مع حدوث اندماجات بين عدد من الشركات المتماثلة في النشاط، إضافة إلى زيادة الإنفاق الحكومي،وتحسن مستويات السيولة لدى البنوك، وارتفاع أرقام الجهاز المصرفي بوجه عام، كل ذلك كان من شأنه أن يجعل الاستثمار في الأسهم القطرية آمناً ومربحاً وبالتالي يزداد حجم الطلب وترتفع الأسعار، إلا أن إرهاصات أزمة اليونان قد عطلت التحسن فس سوق الأسهم القطرية .

على أنه في الوقت الذي كانت تنخفض فيه أسعار بعض الأسهم القيادية التي تحدد مسار المؤشر أوأنها على الأقل تفقد طاقة اندفاعها، كما في الوطني والمصرف والدولي والتجاري، وصناعات وغيرها، إذا بالطلب يزداد في الآونة الأخيرة على أسهم شركات صغيرة كالرعاية والمواشي، والطبية والإسلامية للتأمين والخليج التكافلي، إضافة إلى ارتفاع سعر سهم الكهرباء إلى 112 ريال. وهذه الأسهم لا ترفع المؤشر بشكل مؤثر عند ارتفاعها، ومع ذلك قد يؤدي ارتفاع أسعار هذه الطائفة من الأسهم إلى ارتفاع أسعار أسهم الشركات القيادية في وقت لاحق عندما تتوقف أسعار أسهم الشركات الصغيرة عن الارتفاع، فيعود المستثمرون إلى الشركات الكبيرة فترتفع أسعارها ويرتفع المؤشر.

وأعود إلى ما بدأت به وهو التأثير السيئ لأزمة اليونان على بورصات العالم وأشير إلى أن الأخبار التي وردت عند كتابة هذا المقال ترجح احتمال التوصل إلى حل يمنع حدوث كارثة عالمية جديدة، وأشير بوجه خاص إلى أن ألمانيا خاصة؛ وشركائها في عملة اليورو بوجه عام، إضافة إلى صندوق النقد الدولي سيجدون حلاً وسطاً يمنع إعسار اليونان وعجزها عن الوفاء بمديوناتها الضخمة التي آن آوان سداد بعضها في شهر مايو. وفي الوقت ذاته يكون من شأن الحل أن يُلزم الحكومة اليونانية ببرنامج تقشف صارم يمكنها من التعافي مثلما تعافت من قبلها دول عصفت بها الأزمات في بعض الفترات ، والأمثلة في ذلك كثيرة. وإذا ما تأكدت هذه الأخبار الجيدة، فإن البورصات العالمية ستعود إلى التعافي يومي الخميس والجمعة وتلحقها بورصة قطر بإذن الله يوم الأحد القادم.

ويظل ما أشير إليه هنا وفي كل مقال أكتبه على أنه رأي يحتمل الصواب والخطأ، وإن كنت أميل إلى ترجيح صواب ما أقوله باعتبار أنه في كثير من الأحيان يكون مبنياً على شواهد ومؤشرات لا تُخطئها العين،،،،، والله أعلم.