بعد ستة شهور، المؤشر محلك سر.. فكيف تنتعش البورصة؟؟

؟

(1-2)

ب

ينتهي بعد أيام النصف الأول من العام 2010 ومؤشر البورصة لا يزال عند المستوى الذي كان عليه قبل ستة شهور –أي عند مستوى 7082 نقطة – دون أن يحقق أية زيادة تُذكر في سنة يُفترض فيها أن الاقتصاد القطري ينمو بواحد من أعلى المعدلات في العالم، وفي سنة توسع فيها الإنفاق المالي المخطط بنسبة 24% عن العام المنصرم رغم أن حكومات دول كثيرة-وخاصة في أوروبا- تجاهد لضغط مصروفاتها أملاً في تقليص عجوزات موازناتها. فما الذي يجعل أسعار الأسهم والمؤشر في البورصة القطرية يُمسكان عن الارتفاع؟ ولماذا يعود المؤشر إلى هذا المستوى كلما نجح في التسلل بعيداً عنه؟ أهي فعلاً مشكلات العالم من حولنا وخاصة مشكلة النمو الاقتصادي ومشاكل الديون الحكومية الأوروبية؟، أم أنه ضغط المحافظ الأجنبية التي درجت على البيع الصافي في البورصة القطرية في معظم أيام الربع الثاني من العام؟ أم أنه ضعف أداء المحافظ القطرية وعُزوف الأفراد –وخاصة القطريين منهم- عن الشراء بقوة-كما كان يفُترض- استبشاراً بمعطيات الاقتصاد القطري المنوه عنها أعلاه؟

رغم التسليم مقدماً بما لمشاكل الاقتصاد العالمي وديون أوروبا من تأثيرات على بورصات العالم، فإن هذا التأثير يجب أن لا يكون زائداً عن الحد عندما يتعلق الأمر بالبورصة القطرية التي يُفترض أنها تعمل في دولة تحقق فائضاً مالياً ضخماً ولا تعاني من عجوزات، وتتمتع عُملتها باستقرار مشهود له منذ ثلاثين عاماً فضلاً عن تحسن سعر صرف هذه العملة بشكل قوي هذا العام أمام اليورو والإسترليني، وحتى إذا قامت المحافظ الأجنبية –لظروف خاصة بها- بالبيع الصافي، فإن نسبة هذه المحافظ في مجمل الأسهم القابلة للتداول لا تزيد عن 6%، فلماذا يكون لعملياتها هذا التأثير المبالغ فيه على تحركات الأسعار والمؤشر؟

إذا كان ما تقدم صحيح، وهو بالتأكيد كذلك، فإنه يقودنا إلى استنتاج أن العلة تكمن في أداء المحافظ القطرية والأفراد، حيث اشترت المحافظ القطرية-صافي- في ثمانية أسابيع ما بين مايو ويونيو بما مجموعه 548 مليون ريال وبمعدل 13.7 مليون ريال يومياً فقط، واشترى الأفراد القطريون بما مجموعه 312.6 مليون ريال، وبمعدل يومي صافي 7.8 مليون ريال فقط، واشترى الأفراد غير القطريين صافي بما مجموعه 23.3 مليون ريال في الفترة المشار إليها وبمعدل يومي 582 ألف ريال فقط، أي أن جمهور المتعاملين في هذه الفئات الثلاث كانوا على مدى ثمانية أسابيع يشترون بنحو 22 مليون ريال يومياً صافي، وكانت المحافظ غير القطرية التي لا تزيد نسبتها عن 6% من مجمل الأسهم القابلة للتداول- قد باعت صافي بما مجموعه 852.4 مليون ريال وبمتوسط يومي 21.3 مليون ريال.

وإذن فالمشكلة ليست في مبيعات المحافظ غير القطرية وإنما في ضعف مشتريات المحافظ القطرية والأفراد التي كان يُفترض أن تكون ضعف مستواها المشار إليه على الأقل حتى تُحدث الأثر المطلوب في زيادة الأسعار وارتفاع المؤشر بما ينسجم مع الزيادة المتوقعة في النمو والزيادة المُعلنة في الإنفاق المخطط، وبما يحقق تنبؤات المسؤولين القطريين في فبراير الماضي بارتفاع أسعار الأسهم على اعتبار أنها مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية. وكان مصرف قطر المركزي قد سمح للبنوك بالعودة لشراء الأسهم القطرية، ووضع سقفاً لذلك في حدود 150 مليون ريال لكل بنك وطني أي بما مجموعه 1200 مليون ريال للبنوك الثمانية، ووصلت محفظة كل البنوك بما فيها غير القطرية إلى هذا المستوى مع نهاية أبريل ولم تتجاوزه في مايو حسب بيانات الميزاية الشهرية المجمعة للبنوك. أما بقية المحافظ القطرية للشركات والمؤسسات المختلفة، فإنها على ما يبدو تتصرف بحذر شديد يعكس الرغبة في عدم تحقيق أية خسائر بدلاً من السعي لتحقيق أفضل ربح في أية فترة زمنية- أي كل ربع سنة-.

وأما ضعف مشتريات الأفراد، فمرجعه التأثر السلبي من التطورات المالية والاقتصادية العالمية، وعدم الثقة-على ما يبدو- في إمكانية ارتفاع الأسعار، رغم الظروف المختلفة للاقتصاد القطري، والتي تعكسها الصفقات الضخمة التي يُبرمها الصندوق السيادي القطري في مناطق متفرقة من العالم، والتي هي بكل تأكيد دليل على تنامي الذراع الاستثمارية للدولة وتعاظم الأصول القطرية في الخارج.

ولكن كيف يُمكن أن يتبدل أداء البورصة من حال الضعف الذي يٌبقي المؤشر عند مستوى 7000 نقطة بعد مرور ستة شهور على بداية العام إلى حال من القوة والانتعاش لرفع المؤشر إلى نحو 8000 نقطة على الأقل قبل نهاية العام؟ هذا الهدف ليس بعزيز، وتحقيقه أمر مشروع ومطلوب ويخدم المصالح القطرية التي تشكل في مجموعها ما نسبته 95% من إجمالي الاستثمارات بالبورصة. وبداية نسأل ماذا يريد المتعاملون من استثمار أموالهم بالبورصة؟ الإجابة كما يعرفها الجميع تتلخص في أمرين: أولهما الإبقاء على الأسهم بهدف جني الأرباح التي توزعها الشركات في نهاية العام، والثاني تحقيق زيادة في القيمة الرأسمالية لأسهم الشركات سنة بعد أخرى. وفيما يتعلق بالمضاربين فإنهم يتطلعون إلى التجميع على الأسهم بأسعار مختلفة ثم البيع في وقت لاحق وعلى فترات لتحقيق أرباح من اختلاف السعر. فإذا كانت الأسعار متقلبة وتدور حول نفسها والأرباح الموزعة تكون بنسب محدودة لا تزيد عن عائد الودائع المصرفية كثيراً، لذا فإن عائد الأسهم لا يكون مغرياً لا للمضاربة ولا للاستثمار.

وللخروج من هذه الحلقة المفرغة، لا بد من إعادة الثقة للمتعاملين في السوق عن طريق جملة من القرارات التي تتناسب مع أهمية الهدف، وإذا كانت الحكومة قد أنفقت قرابة ثلاثين مليار ريال من إجل إنقاذ الجهاز المصرفي من تداعيات الأزمة المالية العالمية في عام 2009، فإن إنقاذ البورصة من دوامتها بما يجعلها تعود ثانية كمرآة للاقتصاد القطري قد يقتضي استثمار-ولا أقول إنفاق- عدة مليارات من الريالات فقط في الأسهم القطرية من خلال صندوق يديره أشخاص أكفاء متفرغون لهذا العمل، إضافة إلى اتخاذ حزمة من القرارات التي تدعم وتعزز هذا الإتجاه،،، وهذه الاقتراحات سنتناولها تفصيلاً في الجزء الثاني من هذا المقال إن شاء الله، ويظل ذلك كما كان دائماً رأي شخصي.