لماذا تخلت قطر عن عضوية الأوبك؟

فاجأت قطر العالم قبل أيام بقرار وقف عضويتها في منظمة الأوبك اعتبارا من مطلع العام الجديد، بعد أكثر من 55 سنة على انضمامها للمنظمة، وقد كان عنصر المفاجأة في الموضوع أن قطر كانت – رغم محدودية إنتاجها النفطي من الدول القيادية في المنظمة التي لعبت عبر العقود الخمسة الماضية أدوارا مهمة في رسم سياسة المنظمة وتوحيد مواقف أعضائها، بل وامتد ذلك الدور في السنوات الأخيرة ليشمل تنسيق المواقف مع الدول المنتجة للنفط من خارج الأوبك وخاصة مع روسيا، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو لماذا جاء هذا القرار، ولماذا جاء الآن بالذات؟ من الناحية الرسمية عللت وزارة الطاقة على لسان وزيرها سبب الخروج لاعتبارات تتعلق بتراجع أهمية النفط في منظومة الطاقة القطرية، مقارنة بما تنتجه من غاز طبيعي يجعلها في مقدمة الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم. الجدير بالذكر أن قطر لديها احتياطيات ضخمة في حقل الشمال للغاز تجعلها تملك ثالث أكبر احتياطي للغاز غير المصاحب في العالم بعد إيران وروسيا، ويصل إلى نحو 890 تريليون قدم مكعبة. المعروف أن قطر تنتج وتصدر منذ عام 2011 ما مجموعه 77 مليون طن سنوياً من الغاز المسال، إضافة إلى ما تنتجه مع الغاز الطبيعي من الحقل من سوائل البروبان والييوتان والجازولين الطبيعي، وهي سوائل في درجات الحرارة المعتادة، وتتم معالجتها وتصديرها عبر الناقلات العادية بدون ضغط أو تبريد، ويقدر حجم تلك الصادرات بنحو 2 مليون برميل يومياً. ولقد بدأت قطر في تصدير الغاز المسال إلى اليابان ثم كوريا الجنوبية منذ عام 1996، ووصلت إلى طاقة الإنتاج والتصدير القصوى بحلول عام 2011. ومع نجاحها في تكوين علاقات تصدير قوية ومتشعبة مع دول هامة في آسيا وأوروبا وأمريكيا الشمالية، فإنها باتت تتطلع إلى الاستفادة من تلك العلاقات في تعزيز إنتاجها ليصل إلى 100 مليون طن سنوياً بدلاً من 77 مليون طن سنوياً في غضون السنوات القادمة. وتحقيق هذا الهدف ليس بالأمر السهل في ظل منافسين آخرين أهمهم روسيا وإيران وأستراليا، من هنا فإن أول سبب في خروج قطر من الأوبك هو ما ورد على لسان وزير الطاقة من أن لقطر مكانة خاصة عالمياً في مجال الغاز الطبيعي، وأنها حريصة على الحفاظ على هذه المكانة وتطويرها بما يخدم مصالحها في الحاضر والمستقبل. وفي المقابل نجد أن التوقعات بالنسبة لتجارة النفط العالمية باتت تتحدث عن تراجع في الطلب العالمي على نفط الأوبك في عام 2019 بنحو 1.1 مليون ب/ي عما كان عليه في عام 2018، وأقل بنحو 1.4 مليون ب/ي عن انتاج أوبك الراهن. وهذه الفروقات تضغط على دول الأوبك لاتخاذ قرار بخفض إنتاجها بنحو 1.3 مليون ب/ي، وهو ما فشل اجتماع الأوبك يوم الخميس الماضي في اتخاذ قرار بشأنه، حيث طالبت السعودية بخفض أقل في حدود مليون برميل يوميا فقط. الجدير بالذكر أن السعودية قد رفعت إنتاجها في شهر نوفمبر إلى أكثر من 11 مليون ب/ي، وتجاوزت بكثير مستويات إنتاجها السابقة.. وبالتالي فإنها قد لا تلتزم بقرارات خفض الإنتاج وخاصة في ظل مطالبات الرئيس ترامب المستمرة لها برفع معدلات إنتاجها بما يخفض الأسعار على المستهلك الأمريكي. وعليه فربما تكون قطر قد أدركت الفخ الذي كانت ستقع فيه لو أنها واصلت سياستها – في إطار الأوبك – الهادفة إلى تقنين إنتاج النفط، بما يوقف تراجع الأسعار، في الوقت الذي تعمل السعودية فيه على زيادة إنتاجها وخفض الأسعار على المستهلك الأمريكي. ورغم خروج قطر من الأوبك إلا أنها لن تعمد في الغالب إلى زيادة إنتاجها منه باعتبار أن احتياطياتها النفطية في حالة تراجع. كما أن من مصلحتها أن تظل أسعار النفط مستقرة، باعتبار أن أسعار الغاز المسال ترتبط بأسعار النفط ومشتقاته وفق صيغ يتم الاتفاق عليها مع المشترين.