دلالات إقرار العملة الموحدة والتعجيل بالاتحاد الجمركي

خرجت القمة الخليجية هذا الأسبوع بقرارات إقتصادية هامة ومفاجئة جسدت حرص قادة دول المجلس على دفع العمل الخليجي المشترك الى الامام وصولا الى الوحدة االخليجية الكاملة بين دول المجلس في المستقبل المنظور.وتمثلت إنجازات القمة الاقتصادية في الإسراع في تحقيق الاتحاد الجمركي في عام 2003 والاتفاق على توحيد العملات الخليجية في عملة واحدة بحلول عام 2010 ، فما دلالة هذين القرارين وما أهميتهما من منظور الوحدة الخليجية ؟
لقد مضى على إنشاء مجلس التعاون الخليجي وعلى اقرار الاتفاقية الإقتصادية الموحدة بين دول المجلس ما يزيد قليلا على عشرين عاما بذلت خلالها دول المجلس جهودا كبيرة للتنسيق والتقريب بين أنظمتها المالية والاقتصادية ولوائحها الجمركية، إلا أن هذه الجهود لم تصل الى درجة التوحيد الكامل للنظم الجمركية فيها، وهي مسألة هامة ولازمة لتحقيق أي اتحاد اقتصادي بين دول المجلس بما في ذلك الوصول الى العملة الموحدة. وقد استشعر قادةالمجلس هذا الأمر في قمة البحرين في العام الماضي وبان لهم أن تأخير إقرار الاتحاد الجمركي الخليجي ليس من الصالح في شئ، وأن انجاز هذا الإتحاد يعطي لدول المجلس مزايا عديدة في الغد القريب الذي يتجه فيه العالم نحو التحرير الكامل لتجارة السلع والخدمات وتسود فيه قوانين منظمة التجارة العالمية. ولذلك نجد أن القادة قد أعطوا لوزراء المالية في العام الماضي فرصة لتحقيق الاتحاد الجمركي بحلول عام 2005 وأمروا وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية الخليجية بالإتفاق على مثبت مشترك بين العملا ت الخليجية كخطوة لابد منها لتوحيد العملة.

وقد تسارعت الأحداث في عام 2001 على نـــحو غيــر متوقع وغيرمسبوق وازدادت المخاطرالمحدقة بالمنطقة في عالم باتت تحكمه وتهيمن عليه القوة الامريكية، وبات واضحا أن الولايات المتحدة قد راحت تدفع الامور السياسية والاقتصادية في العالم بما يتفق مع مصالحها ورؤاها، فكان ما كان في فلسطين وأفغانستان، ثم هي قد نجحت في إطلاق جولة جديدة من المفاوضات التجارية اثناء انعقاد المؤتمرالوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية في الدوحة. من هنا برزت الحاجة الى ضرورة العمل الجاد باتجاه تحقيق الوحدة الخليجية فكان أن قرر الزعماء تكوين نواة لقوة عسكرية مشتركة، والاتفاق على توحيد العملات الخليجية بحلول عام 2010 مع التعجيل بالاتحاد الجمركي ليكون واقعا في عام2003 بدلا من عام 2005.

والاتفاق على توحيد العملة يعني تنازل كل دولة على جزء من سيادتها لصالح الجماعة وذلك يؤكد ان دول المجلس قد باتت تعمل بتسارع من أجل تحقيق الوحدة بينها. ورغم أن عام 2010 يبدو بعيدا نسبيا ، الا أن تلك الفترة تبدو ضرورية لإنجاز الكثير من الأعمال اللازمة لظهور العملة الخليجية الموحدة ، ففي حين أقرت دول الأتحاد الأوروبي العملة الموحدة اليورو عام 1992 فإن الإستخدام الحسابى لهذه العملة لم يبدأ الا في عام 1999،كما أن العملة ذاتها لم تدخل للتداول الا مع بداية العام الحالي 2002.
ولقد أنجزت دول المجلس حتى الآن قدراً مهماً من التنسيق بين سياساتها المالية والنقدية واعتمدت الدولار كمثبت مشترك بين عملاتها بحيث أن أسعار صرف العملات الخليجية مقابل بعضها البعض تظل ثابتة ومستقرة بمرور الوقت، ولكن الوصول إلى عملة موحدة يتطلب الكثير من الاجراءات من ذلك تحديد إسم العملة ووزنها، أي ما إذا كانت من الوزن الثقيل كالدينار أو الخفيف كالريال. ولأن العملة في أي بلد تستخدم كمقياس ومخزن للقيمة فإن كافة التعاملات المالية للأفراد والشركات والمؤسسات العامة والخاصة تتم بعملة ذلك البلد، ولكي يتم التحول من هذه العملة إلى عملة أخرى لا بد من أعطاء الجميع الوقت الكافي لاستخدام العملة الجديدة والتعود عليها قبل إلغاء العملة المحلية.
ويحقق الإتحاد الجمركي كما ذكرنا أعلاه مزايا عديدة لدول الإتحاد، إلا أنه مهم كذلك للوصول إلى العملة الموحدة. ولكي نفهم مغزى ذلك نشير إلى أن الاتحاد الجمركي يعني إزالة الحواجز الجمركية بين دول المجلس من ناحية وتوحيد التعرفة الجمركية مع دول العالم من ناحية أخرى. وحتى تتحقق العدالة في توزيع العوائد الجمركية بين الدول الأعضاء في المجلس، فإن توحيد العملة يستلزم الوصول إلى الإتحاد الجمركي في مرحلة سابقة على تدشين العملة الموحدة.