ركود الاقتصاد العالمي وانعكاساته على سوق النفط

تشير الدلائل المتاحة حتى الآن إلى أن الاقتصاد العالمي قد دخل في حالة من الركود هي الأسوأ منذ 20 عاماً وذلك بركود أكبر إقتصادين في العالم هما الإقتصاد الأمريكي والإقتصاد الياباني مع توقف الاقتصاد الأوروبي عن النمو.. وقد كانت بوادر هذه الأزمة ظاهرة للعيان منذ بداية العام الحالي عندما عكست البنوك المركزية سياساتها النقدية من التضييق إلى التوسع، وراح بنك الاحتياط الفيدرالي على وجه الخصوص يخفض من معدلات الفائدة على الدولار مرة تلو الأخرى وبمعدل نصف بالمائة كل مرة على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحفيز الاقتصاد وتقصير فترة التباطؤ إلى الحد الأدنى فينتعش الاقتصاد الأمريكي في الربع الرابع من العام 2001، ومن ثم يسحب معه بقية الاقتصادات الأخرى في النصف الأول من العام 2002.
إلا أن أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة قد كسرت الثقة لدى المستهلكين والمنتجين بتأثير الخسائر الكبيرة التي نتجت عنها وما زرعته في النفوس من مخاوف على المستقبل، فكان أن تراجع الاستهلاك وانخفض الانتاج ودخل الاقتصاد الأمريكي في حلقة مفرغة من التراجعات.. فقد أدى تراجع الطلب الاستهلاكي إلى انخفاض إنتاج الشركات وتدهور أرباحها، ومن ثم تراجعت أسعار أسهمها.. وقامت الشركات إزاء ذلك بتسريح الآلاف من عمالها في ظاهرة لم تحدث منذ سنوات بعيدة، وبالنتيجة فإن دخول الأفراد قد تضررت وتقلصت القيمة الفعلية لثرواتهم من الأسهم , فانعكس ذلك سلبياً على أنفاقهم، ومن ثم تضررت مبيعات الشركات مجدداً فعملت هذه على تخفيض إنتاجها، وهكذا دواليك.
ورغم أن معدلات الفائدة على الدولار قد هبطت إلى أدنى مستوى لها منذ أربعين عاماً، ورغم جهود الحكومة الأمريكية مع الكونجرس لتخفيض الضرائب، فإن ذلك لم يغير من الصورة القاتمة، وجاءت أرقام مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة في موسم الأعياد لتأكد هذا الواقع الصعب 0ومما لا شك فيه أن استعادة ثقـــة المستهلكين ليست بالأمر الهين ولاتتوقف على انخفاض معدلات الفائدة فقط ، كما أن المنتجين بحاجة إلى وقت أطول للتخلص من مخزوناتهم وإعادة حساباتهم.
وفي الوقت الذي يأمل فيه بعض الاقتصاديين أن يخرج الاقتصاد الأمريكي من حالة الركود في النصف الثاني من عام 2002، فإن الاعلان عن إفلاس الأرجنتين في الأيام الأخيرة من العام 2001 قد أضاف مخاوف جديدة الى المستهلكين والمنتجين في العالم. ورغم ما يقال عن الصغر النسبي للاقتصاد الأرجنتيني، فإن قرار الحكومة الجديدة بالتوقف عن سداد الديون المستحقة قد يغري دولاً أخرى كي تحذو حذوها في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا ولو حدث ذلك فإن الخروج من أزمة الركود الاقتصادي لن يكون متاحاً في وقت مبكر..

************
إن تباطؤ الاقتصاد العالمي في النصف الأول من عام 2001 ومن ثم دخوله في مرحلة ركود في النصف الثاني يصيب الاقتصاد القطري بالضرر من زاوية تراجع الطلب العالمي على النفط وبالتالي انخفاض أسعار النفط والغاز بالاضافة إلى تراجع الطلب على المنتجات الصناعية القطرية كالأسمدة الكيماوية والبتروكيماويات.. وقد رأينا أنه رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها دول الأوبك لخفض انتاجها بعدة ملايين من البراميل يومياً في عام 2001 فإن الأسعار قد انخفضت بنحو 30% عن المستويات العالية التي وصلتها في عام 2000. وتدخل دول الأوبك العام 2002 بقرار يقضي بخفض انتاجها من النفط بنحو مليون ونصف المليون من البراميل يومياً وذلك للإبقاء على أسعار النفط فوق مستوى 20 دولاراً للبرميل، ورغم أن ذلك قد يحقق الهدف المنشود إذا التزمت الدول الأعضاء بالتخفيض فعلاً فإن استمرار إرتفاع الأسعار فوق العشرين دولاراً للبرميل قد يساهم في إطالة أمد الركود العالمي، وبالتالي تعود الأسعار إلى الانخفاض في وقت لاحق قد يكون بعيداً أو قريباً بمدى القدر الذي يلتزم فيه المنتجون من داخل أوبك وخارجها بقرارات التخفيض. ونأمل أن تثمر زيارة حضرة صاحب السمو الأمير المفدى إلى موسكو هذا الأسبوع في اقناع الروس بجــدوى التــعاون مع دول الأوبك في تنفيذ خفض حقيقي في إنتاجهم من النفط حفاظـــاً على مصالح جميع المنتجين.