قضايا الإستثمار التي تشغل بال الناس في قطر هذه الأيام تختلف تماماً عن مثيلاتها في نفس الفترة من العام الماضي، فشتان ما بين اليوم والأمس والقريب وسبحانه مغير الأحوال..
في يناير عام 2001 كانت معدلات الفائدة على الريال والعملات الأجنبية عند أعلى مستوى لها لعدة سنوات خلت وكان العائد المعلن لأرباح البنوك الإسلامية وكذلك فوائد الإيداع لسنة تصل إلى 7% أو أكثر، وفي ظل معدلات التضخم المنخفضة جداً في قطر فإن ذلك العائد كان يعني دخلاً حقيقياً يصل إلى 5% سنوياً بأقل قدر من المخاطر. ومع ذلك كانت أنظار كثيرة من المستثمرين في تلك الفترة تتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك وتمني النفس بدخل كبير يصل إلى 3% شهرياً أي ما يزيد عن 36% سنوياً… ورغم أن تلك النتائج لم تكن معلنة رسمياً من أي جهة إلا أن أخبارها كانت حديث الشارع القطري وفي كل المجالس لشهور خلت. وقد تطوع المستثمرون أنفسهم بالترويج لها فاندفع المئات بإيداع مدخراتهم لدى بعض تلك الشركات متجاهلين لتحذيرات مصرف قطر المركزي بعدم التعامل إلا مع الشركات المرخص لها.
وفي تلك الفترة، أي في يناير عام 2001 والشهور التالية كان الإستثمار في الأسهم المحلية غير مجد حيث كانت أسعار أسهم معظم الشركات في حالة تراجع بسبب انخفاض الطلب بعد موسم توزيع الأرباح، وكان سعر سهم إتصالات على سبيل المثال عند مستوى 60 ريالاً بدون زيادة عن السعر الذي انطلق به قبل عامين. وكانت أسعار أسهم البنوك تتجه إلى أدنى مستويات لها منذ عدة سنوات. ولم يكن سوق العقارات بأفضل حال من سوق الأسهم حيث كانت الأزمة التي يعاني منها قطاع العقارات قد انعكست سلباً على أسعار المباني والأراضي والإيجارات، ومن ثم كان الإستثمار في هذا القطاع على غير العادة غير جذاب بل أن الكثيرين من رواد الإستثمار في هذا المجال قد لحقت بهم خسائر مالية.
وتبدو الصورة في يناير عام 2002 مختلفة تماماً فمعدلات الفائدة على الريال والدولار انخفضت إلى أدنى مستوى لها، وفي حين أصبحت المعدلات على الدولار دون ال2% فإنها على الريال لا تزيد كثيراً عن 2.5%.. والأرباح المتوقعة للبنوك الإسلامية عن عام 2001 (لمدة سنة) قد تتراوح ما بيـــن 3 – 4%. ويشكل ذلك عنصر طرد للودائع من البنوك، إلى مجالات استثمارية أخرى مجزية. وتسعى البنوك جاهدة للاحتفاظ بمدخرات المودعين من خلال الإعلان عن صناديق استثمارية واعدة بالتعاون مع البنوك والشركات العالمية.. وبعض هذه الصناديق يضمن رأس المال بالكامل وبعضها ينمو مع حركة الأسهم في الأسواق العالمية المختلفة.. الجدير بالذكر أن أسواق الأسهم العالمية قد سجلت تراجعاً في عامي 2000 و 2001، ومن ثم يأمل البعض أن يكون عام 2002 تحولاً بما يساعد على جني أرباح أفضل.. إلا أن الحكم على ذلك يبدو مبكراً حتى هذه اللحظة.. وبعد انهيار شركة المدينة للإستثمار واختفاء شركات أخرى من الساحة في عام 2001 فإن هذا النوع من الإستثمار للغير القائم على المضاربة في السلع والعملات بطريقة الهامش لم يعد قائماً إلا في أضيق الحدود..
وبرزت سوق الأسهم المحلية كأحد المجالات الهامة للإستثمار في قطر وقد تجاوز مؤشر السوق مستوى 170 نقطة بعد أن كان قريباً من 120 نقطة فقط قبل عام. وحققت بعض أسهم الشركات زيادة كبيرة تراوحت ما بين 50% كما في إتصالات وأكثر من 100% كما في أسهم شركات مثل النقل البحري والمستشفى الأهلي وغيره. وفي حين لا تزال الفرصة سانحة للإستثمار في السوق بتأثير انخفاض معدلات الودائع المصرفية وتوافر السيولة لأسباب معروفة، فإن البعض يتخوف من حدوث تصحيح للأسعار إذا ما أقدم بعض كبار المتعاملين على بيع ما لديهم لجني الأرباح.
وهناك اتجاه ملحوظ لدى المستثمرين للتحول نحو سوق العقارات التي انخفضت أسعارها في عام 2001 بما يحمل من فرص واعدة لتحقيق أرباح جيدة إذا ما تحرك السوق وارتفع الطلب من جديد.