القيادة فن وذوق وأخلاق ، شعار بالغ الأهمية ، ويلخص في كلمات قليلة الأسس التي تكفل الأمان والسلامة لكل العربات المتحركة على الطرقات على مدار الساعة. ولو نظرنا إلى الموضوع من منظور اقتصادي بحت ، لقلنا إن الوصول إلى مستوى راقٍ من الأداء في القيادة لكل السائقين سوف يوفر على الوطن مئات الملايين من الريالات التي تضيع سنوياً بسبب الخسائر المادية والبشرية التي تلحق بالسيارات وسائقيها والمشاة من جراء الحوداث المستمرة ، فضلاً عما تتطلبه تغطية تلك الحوادث من جهود مضنية وتكاليف باهظة من جانب دوريات المرور وشركات التأمين ومجالس القضاء ، وما تؤدي إليه الحوادث من استنزاف وإهدار لوقت السائقين وتعطيلهم عن أعمالهم.
وتزداد الحاجة إلى الفن والذوق والأخلاق في القيادة كلما ازدحمت الطرقات وتكدست على دواراتها السيارات ، كما هو حاصل الآن ومنذ بداية شهر سبتمبر بعد أن انتهى موسم الإجازات ، وفتحت المدارس والكليات أبوابها لتستقبل صبيحة كل يوم عشرات الألوف من الطلبة والطالبات والمدرسين والمدرسات ، فضلاً عن العاملين والعاملات في كافة المؤسسات والشركات العامة والخاصة. ورغم أن إدارتي المرور والخدمات الهندسية لا تدخران جهداً في العمل على تطوير وتحديث وتوسيع الطرقات ، وتحويل الدوارات إلى تقاطعات بإشارات ضوئية ، إلا أن مسلسل الحوادث اليومية سوف يستمر طالما لم يلتزم البعض من السائقين بمقولة أن القيادة فن وذوق وأخلاق .. وقد أكد لي أحد ضباط المرور أن معظم حوادث السيارات تقع من جانب الشباب حديثي العهد بقيادة السيارات ، الذين يفتقرون إلى الخبرة ؛ خبرة التحكم في السيارة في مختلف المواقف ، وخبرة التحرك على الطرقات ، أو القدرة على الوصول إلى أي مكان من أيسر طريق ، وهذه الخبرة لا يمكن للسائق أن يحصل عليها في وقت قصير حتى لو نجح في امتحانات S و L، واجتياز امتحان قصير للقيادة في أحد الشوارع.
إن الحصول على رخصة القيادة يتطلب من السائق أن يكون بالغ الحذر في قيادته للسيارة خلال الشهور الثلاثة الأولى على الأقل ، فلا يسرع أبداً ، مع التقليل من قيادة السيارة في أوقات الذروة وفي الأماكن المزدحمة ، وأن يكون ذلك تحت إشراف أحد ذوي الخبرة من أهله لكي يكسبه خبرة التعامل مع الطرقات في ظل المواقف المختلفة.
إن قيادة السيارة غاية وليست وسيلة ، ولكنها تكون في واقع الحال عكس ذلك بالنسبة للشباب الذين تستهويهم القيادة فيجدون في الحصول على رخصة وسيارة فرصة للاستمتاع بقضاء أكبر وقت ممكن في القيادة ذهاباً وإياباً ، دونما حاجة حقيقية لقضاء مصلحة أو الوصول إلى هدف. وبقدر ما تطول ساعات القيادة بقدر ما يصبح السائق وسيارته عرضة أكثر للتصادم مع الآخرين ، خاصةً إذا لم تكن قد أتيحت له فرصة لاكتساب المهارات. إن ادارة المرور مطالبة بأن لا تمنح رخص القيادة المعتادة للناجحين في الاختبارات ، وأن تمنحهم عوضاً عن ذلك رخص قيادة أولية أو تحت التجربة لمدة 3 شهور ، فإذا ما مرت الفترة دون حوادث أو مشاكل مرورية ، تصرف لهم رخصاً عاديةً .. أما إذا تسبب السائق الجديد في حوادث خلال الفترة الأولى فإنه تجدد له الرخصة الأولية لمدة ثلاث شهور أخرى ، وإذا تكرر الأمر في الفترة التالية فإنه يحرم من القيادة وتلغى رخصته الأولية ويطلب منه اجتياز اختبار جديد ..
إن التقليل من الحوادث على الطرقات يتطلب الاهتمام بأن يكون شعار القيادة فن وذوق وأخلاق معتمداً من جانب جميع السائقين بدون استثناء ، وتحقيق ذلك ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى جهود إعلامية مستمرة وإلى مراجعة لبعض قوانين المرور.