الاستفتاء حول مشروع الدستور الدائم لدولة قطر هو بكل المقاييس حدث غير عادي في التاريخ السياسي لهذا البلد ، وينبغي لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة أن يتوقف عند هدا المشروع بمواده المائة والخمسين لكي يطلع على مدى النقلة الحضارية التي سيحققها للمجتمع القطري ، ولكي يعي كل منا ما يكفله له الدستور من حقوق فلا يتنازل عنها ولا يرضى بأقل منها ، وأن يدرك ما عليه للوطن من واجبات فلا يتأخر عن أدائها أو الوفاء بها كاملة غير منقوصة. وإذا كانت هذه الدعوة موجهة للجميع قطريين ومقيمين ، فإن على القطريين بوجه خاص أن لا يتخلفوا عن المشاركة في التصويت عليه بإعتبار أن نسبة المشاركة ربما تكون أبلغ في الدلالة على مدى الحرص الشعبي على ممارسة العمل الديمقراطي وعلى مدى نضج الوعى السياسي لدى الجمهورالقطري.
ولقد حرصت على مطالعة مشروع الدستور ، وتوقفت عند المواد التي تشكل المناخ العام للحياة الاقتصادية في قطر ، سواء ما تعلق منها بالنشاط الاقتصادي مباشرة أو بالأجواء التي يتم فيها هذا النشاط ، وسواء خص ذلك المواطنين بوجه خاص أو المواطنين والمقيـمين على الإجمال ، وتوصلت في ذلك إلى الملاحظات التالية :
1. في المادة 29 من الباب الثاني ، ينص مشروع الدستور على أن الثروات الطبيعية ومواردها ملك للدولة تقوم على حفظها وحُسن استغلالها وفقاً لأحكام القانون. وهذا النص الواضح يكرس ملكية الدولة لثروات البلاد النفطية والغازية وبالتالي يؤكد على عدم خضوعها في السنوات العشر القادمة على الأقل لأي نوع من برامج الخصخصة التي بدأتها الدولة منذ عدة سنوات والتي ستتوسع فيها مستقبلاً. ومثل هذا النص لا يدع مجالاً للإجتهاد في هذا الموضوع.
2. تنص المادة 43 على أن الضرائب أساسها العدالة الإجتماعية ، ولا يجوز فرضها إلا بقانون. هذه المادة في غاية الأهمية لمستقبل النشاط الاقتصادي في قطر ، وكل من يملك مشروعاً اقتصادياً أو يفكر في استثمار أمواله داخل البلاد يجد أن هذه المادة توفر له الأمان على تلك الإستثمارات في المستقبل من أية تقلبات مفاجئة في المناخ الاقتصادي.
3. تنص المواد 26-28 على حماية الملكية الخاصة ، وعلى أن الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية لكيان الدولة الإجتماعي ، وأن الدولة تكفل حرية النشاط الاقتصادي على أساس التعاون المتوازن بين النشاط العام والخاص لتحقيق التنمية. وتنص المادة 52 على تمتع كل شخص مقيم في الدولة بحماية لشخصه وأمواله وفقاً لاحكام القانون. وحتى يعمل المواطن والمقيم في جو آمن بدون خوف من ظلم أو جور ، فقد نصت المادة 38 على عدم جواز إبعاد أي مواطن عن البلاد ، ونصت المادة 39 على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته أمام القضاء في محاكمة توفر له فيه الضمانات لممارسة حق الدفاع.
4. تنص المادة 31 على تشجيع الدولة للإستثمار وعلى قيامها بتوفير ما يتطلبه المستثمرون من ضمانات وتسهيلات ، وهذه المادة تفتح المجال للمشرع القطري كي يطور في تشريعاته الاستثمارية بما يتناسب مع الظروف المستجدة في كل زمان.
5. تكفل المواد 45-51 من الباب الثالث مجموعة من الحريات الهامة لكل إنسان سواء قطري أو مقيم ، ومن ذلك أن لكل فرد الحق في مخاطبة السلطات العامة ، وأن حرية تكوين الجمعيات مكفولة ، وأن حرية العبادة مكفولة للجميع. هذه الحريات وغيرها من الأمور الضرورية التي تسهل الأمور المعيشية وتساعد في تذليل ما يواجهه الناس من مصاعب في حياتهم وأعمالهم.
نخلص مما تقدم إلى أن مشروع الدستور المقترح هو من الناحية الإقتصادية على الأقل يمثل نقلة حضارية هامة ، كي تتوائم معطيات المجتمع القطري وقوانينه مع إيقاع العصر الذي نعيش فيه دون أن نتخلى بالضرورة عن القيم الأصيلة والراسخة في مجتمعنا. ومن أجل ذلك فإن جميع القطريين مدعوون يوم 29 ابريل للإدلاء برأيهم في المشروع ، وستكون نسبة المشاركة الشعبية في الإستفتاء بالغة الدلالة في التعبير عن مدى ترحيب القطريين بهذا الحدث وفهمهم لأبعاده وذلك بأكثر من النتيجة النهائية لنسبة من سيقولون نعم في الإستفتاء.