جلس صاحبنا على مكتبه : يطالع تلك القائمة الطويلة جداً من رسوم العلاج بمستشفى حمد العام ، ولم يكن قد برأ بعد من تلك الخضة التي أصابته عند مطالعة رسوم الداخلية قبل أسابيع قليلة ، وقد بدت على محيا الرجل علامات الانزعاج مما قد تحمله إليه الجداول من انباء غير سارة ، رغم ما يبدو عليه من مظاهر الصحة والعافية وعدم حاجته في الوقت الراهن على الأقل لأي من الخدمات العلاجية بالمستشفى ، وقد توقف صاحبنا قليلاً عند صورة وزير الصحة العامة الذي اصدر القرار وبدا وكأنه يستوضح منه المدى الذي ذهب إليه في تعديله للرسوم ثم ما لبث الرجل أن غاص بناظريه بين سطور القوائم وقد أقلقته التفاصيل الكثيرة وبعد فترة طال فيها التأمل والترقب التفت صاحبنا إلى جليسه وقال : لقد أحصيت في الجداول 179 بنداً تخص المقيمين إضافة إلى 32 بنداً أخرى تتصل بالخدمات العلاجية للزوار ، ومن بين الـ 179 بنداً الأولى استأثرت عمليات التجميل ب 50 بنداً وعمليات الأسنان ب 55 بنداً والخدمات الصحية الأخرى ب 74 بنداً ، وعند هـذه اللحظة بدا وكان الرجل قد استراح قليلاً من هول الصدمة بعد أن اطمأن إلى أن اكثر من ثلثي الخدمات الواردة في القائمة لا تعنيه من قريب أو من بعيد .
لم يكن صاحبنا من المهتمين بعمليات التجميل ، ولكن حب الاستطلاع وضخامة المبالغ المطلوبة لها قد جعلته يراجعها بنداً بنداً ولسان حاله يقول : الحمد لله لسنا بحاجة إلى هذه أو تلك ، لسنا بحاجة إلى تكبير الأنف أو شد الوجه ولا لتصليح الجفون أو ترقيع الأذنين .. وأدعو الله ألا نصاب في حوادث السير أو الحريق حتى لا نضطر إلى ما ليس منه بد كزراعة الجلد أو كشط الوجه أو غير ذلك من ضرورات تكلف آلاف الريالات ، وفي تلك اللحظة نظر إليه جليسه مبتسماً وقد أشار إلى كرشه الذي استطال وخرج عن المألوف ، فرد صاحبنا ضاحكاً بأنه لم يضع في مخططاته مسبقاً أن يلجا إلى المستشفى لإزالة الكرش أو شفط الدهون فما بالك وقد أصبحت هذه العمليات تكلف مبالغ طائلة ثم استدرك قائلاً : في ظل الظروف المالية المستجدة فإن الكرش سيختفي تدريجياً بقليل من الحمية والاقتصاد في الوجبات وتمارين رياضية خفيفة وبعض المشي على الكورنيش .
***
كان من الواضح أن القائمة الأولى لا تعني صاحبنا أبداً وأنها لا تهم إلا قلة قليلة من ذوي الدخل المرتفع والذين يحسبون ألف حساب لمظهرهم الخارجي خاصة بالنسبة لأولئك الذين لديهم اعتبارات وظروف خاصة تدفعهم لملاحقة هذه الأمور والاعتناء لها ،ومن هنا انتقل صاحبنا إلى عمليات الأسنان ولم يتوقف عندها طويلا وقال لجليسه : أنا لم أزر عيادة الأسنان بالمستشفى على الإطلاق كما أنني انقطعت عن التردد على عيادات الأسنان بالمراكز الصحية منذ سنوات طويلة وبالنظر إلى أنني لا أطيق الألم الذي يحدثه جهاز الحفر في الأسنان ، لذا قررت التعامل مع العيادات الخاصة حتى احصل على الخدمة المناسبة التي تراعي هذه المسالة ، وقد وطدت نفسي منذ زمن على تحمل تكاليف علاج الأسنان لي ولعائلتي عند طبيب خاص وهي رغم ارتفاعها تبدو معقولة، وأرجو الله ألا يؤدي القرار الجديد إلى دفع العيادات الخاصة لزيادة أسعارها وإلا سأجد نفسي مضطراً للعلاج ثانية لدى المراكز الصحية التي ما زالت تعالج المرضى المقيمين بالمجان ، وقد أضاف صاحبنا قائلاً : إن مصاريف العلاج التي أتحدث عنها هي ما يتعلق بالتنظيف والحشو وما إلى ذلك من خدمات اعتيادية أما تكاليف علاج التقويم أو تركيب الجسور وهي ما لا أحتاجه بعد فإنها ولاشك غالية جداً في العيادات الخاصة والمستشفى على السواء ولا تتوافر في المراكز الصحية ومن ثم فإن من تضطره الظروف لمثل هذه الأمور عليه أن يتحمل المصاريف الجديدة سواء في المستشفى أو العيادات الخاصة .
انتقل صاحبنا بعد ذلك إلى قائمه تكاليف الخدمات الصحية وهي كثيرة ومتنوعة ولاحظ أن ما يهمه منها بالدرجة الأولى ما يلي :
· أن هنالك رسوم زيارة العيادة لأول مرة ( 50 ريالاً ) وتخفض إلى ( 25 ريالاً ) بعد ذلك في زيارات المتابعة .
· أن رسوم خدمة الطوارئ والفحص والمعاينة ( 100 ريال ) كلما اضطرته الظروف لذلك هو أو أحد أفراد عائلته .
· أن رسوم الإقامة في غرفة مشتركة إذا ما دخل المستشفى في يوم من الأيام تقدر بـ ( 100 ريال ) لليوم الواحد .
· أن رسوم الفحوصات الطبية كالتصوير الإشعاعي بالكمبيوتر أو الأشعة الملونة وما إلى ذلك تتراوح ما بين 50 – 150 ريالاً في الحالة الواحدة .
مثل هذه الخدمات تهم شريحة واسعة من أفراد المجتمع ، ومن لا يحتاجها اليوم قد يطلبها مضطراً في المستقبل ومن الصعب في ضوء ذلك تحديد ما قد يدفعه الشخص من تكاليف علاجية ولكن من الواضح جداً أن كل مقيم سيجد نفسه مضطراً لتحمل نفقات إضافية جديدة ، وأن هذه النفقات ستكون كبيرة جداً في حالة الأسر الكبيرة العدد وفي حالة الإقامة في المستشفى وعند إجراء العمليات والتحاليل الطبية وكلما طالت الإقامة في المستشفى لدواعي المرض زادت التكاليف إلى الحد الذي ستصبح فيه المصاريف كارثية وغير محتمله .
وعندما وصل صاحبنا إلى هذا الحد من التفكير شعر بنوع من الغثيان وراح يلح على جليسه قائلاً : أليس هنالك من حل لهذه الورطة وكيف الخروج من هذا المأزق؟ فرد عليه الرجل بأن ليس هنالك من حل إلا في ثلاث :
الأول : أن يأمر أولو الأمر بمراجعه الرسوم أملاً في التخفيف عن كاهل الناس ومراعاة التدرج فيها ما أمكن .
الثاني : أن يتم الإعلان عن برنامج قومي للتأمين الصحي تشارك فيه شركات التامين بطرح بوالص للتأمين مقابل رسوم رمزية يتم استقطاعها من الرواتب ويتحملها الموظف ورب العمل شهرياً وفقاً لصيغ معينة وان تتحمل شركات التامين بعد ذلك رسوم العلاج في كافة المستشفيات العامة أو الخاصة للموظف وعائلته .
الثالث : أن يعيد المقيم ترتيب أوضاعه بما يتناسب مع الظروف المستجدة لمواجهه الارتفاع المستمر في نفقة المعيشة .
وعاد صاحبنا ليسأل : وماذا عن المرضى الذين فاجأهم القرار وهم في المستشفى أو كانوا على وشك الدخول إليه؟ وماذا عن أولئك الذين لديهم عدة مرضى في بيت واحد؟ قال الرجل في حيرة : لا ادري ولكن الله لطيف بعباده وهنالك من جمعيات الخير والإحسان داخل قطر ما يمكن اللجوء إليها للمساعدة لحين ترتيب الأمور