في مسألة التحليلات اللغوية علي هامش الفوائد البنكية

نشرت جريدة الراية القطرية يوم الاحد 12/5/1997م مقالا بعنوان ملاحظات وتحليلات لغوية على هامش مناقشة الفوائد البنكيه وقد كتب الملاحظات والتحليلات متخصص في اللغة العربية رمز لإسمه بابواحمد وتركزت مقالتة على تتبع لفظي الزيادة والربا في بعض ايات القران الكريم لاثبات ان لفظ الزيادة يمكن ان يدل على ارتفاع غير نهائي وغير محدود في القيمة وان لفظ الربا في القران لا يعني الضعف في كل الحالات بل يمكن ان يكون زيادة محدودة في القيمة واستخلص ابو احمد من كل ذلك ان رأيي في عدم حرمة الفوائد البنكية ليس لة اساس في اللغة وما بني على خطأ فهو خطأ.
وتقديرا مني لاهمية استمرار الحوار البناء في القضايا الخلافية، فانني قد عكفت على اعداد هذا الرد على مقالة ابو احمد لكي اشكرة على مابذلة من جهد ولكي ابين له وللقراء ان جميع الاستدلالات التي بنى عليها حكمة عن مدلولات لفظ الزيادة غير صحيحة وانها على العكس مما ذهب اليه تدعم وجهة نظري وتؤيدها .. وان القارئ لمقالة ابو احمد سيكتشف على الفور ان شروحاته للايات تخالف كل ما جاءت بة كتب التفسير المعروفة بل انة لم يستشهد في تحليلاتة تلك بأي من الاراء الواردة في التفاسير وجاء فهمة للايات مخالفاً لمفهوم تلك النصوص ومتناقضاً معها بشكل كامل ..و الاخطر من ذلك انة قدم شرحاً فريداً من نوعة لما اسماة علاقة القرائن بمدلول الزيادة !! ومثل هذا الشرح لا سند له في اللغة ويعطي انطباعا بان صاحبنا ابو احمد ليس متخصصا في اللغة العربية كما ادعى وانما هو مجتهد اراد ان يدلي بدلوه في الموضوع فلة اجرة ان شاء الله على ذلك …
واتناول فيما يلي مجموعة الايات التي ساقها ابو احمد للتدليل على وجهة نظره وهي مقسمة الى عدة مجموعات على النحو التالي :-
المجموعة الأولى :- وفيها يقترن لفظ الزيادة بارتفاع غير محدود في قيمتة العددية او الكمية:
1- الاية:يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد المعروف ان الله سبحانة وتعالى اقسم في سورة السجدة الاية (13) بأن يملأ جهنم من الجن والانس اجمعين، وتاتي الاية(30) من سورة (ق) بعد ذلك لتؤكد ان قسم الله حق واقع يوم القيامة .. وقد قالت بذلك كل التفاسير .. ففي تفسير الجلالين ان الاستفهام في هل امتلات ؟ تحقيق لوعد الله بملأها ..وترد جهنم بعد ذلك متعجبة بصورة استفهامية ..هل من مزيد ؟ اى لا اسع غير ما امتلأت به .. اى انها قد امتلأت .. وفي تفسير ابن كثير قال العوفي عن ابن عباس ان قولة تعالى هل امتلات انما هو عندما لا يبقى فيها موضع يسع ابره ..
وفي رايي انة حتى لو كان هناك متسع قبل الامتلاء فانة يكون محدوداً نسبة لعدد من حشرهم الله في جهنم .. اما صاحبنا ابو احمد فانه يرى بان جواب جهنم على السؤال هي دعوة منها لدخول المزيد والمزيد من العصاه وان هذه الزيادة كبيرة وعظيمة ..وهذا التفسير ليس لة سند يدعمة ويخالف منطق القسم بملء جهنم من عصاة الجن والانس ويخالف مغزى الاية(30) من سورة(ق) التي تقول بان القسم يتحقق يوم القيامة .
2- الاية ويزيد في الخلق ما يشاء فاطر (1) .
تبدأ سورة فاطر بحمد الله فاطر السماوات والارض جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء .
وكما يقول الامام ابن كثير : ان من الملائكة من له جناحان او ثلاثة او اربع وان الله يزيد في عدد الاجنحة ما يشاء .. وواضح من مفهوم الايه ان المقصود من الزيادة هنا هو تبرير وجود عدد من الاجنحة لدى الملائكة يزيد عما هو مالوف للناس في الطير وان ذلك عائد لمشيئة الله تعالى وقدرته .. ومما يؤكد ذلك ان الله يقول يزيد في الخلق ولم يقل يزيد الخلق وهذه الزيادة في عدد الاجنحة عن جناحين تظل محدودة وليس كما ذهب ابو احمد بان المقصود في الاية هو زيادة المخلوقات البشرية والحيوانية والنباتية والحشرية وهي كما وصفها زيادة هائلة ومتسعة . ان شرح ابو احمد لا ينسجم مع حديث الاية عن الملائكة ذوي الاجنحة وبالتالي فان ما ورد في تفسير ابن كثير هو الاصوب خاصة مع اتفاق تفاسير اخرى معة مثل كتاب ايسر التفاسير للدكتور اسعد محمود حامد وغيره ..
3- الاية ويعلم ما تغيض الارحام وما تزداد (الرعد 8)
وصحيح الاية :
الله يعلم ما تحمل كل انثي وما تغيض الارحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار
وفي تفسير ذلك يقول الامام ابن كثير : قال ابن عباس ما تغيض الارحام يعني السقط وما تزداد يعني ما زادت الرحم من الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما ذلك ان من النساء من تحمل عشرة اشهر ومن تحمل تسعة اشهر ومنهن من تزيد ومنهن من تنقص فذلك الغيض والزيادة .. ويؤكد تفسير الجلالين هذا المعنى بالقول ما تغيض اى ما تغيض الارحام من مدة الحمل وما تزداد اى ماتزداد منه .. اما ابو احمد فيقول شرحاً للزيادة في الاية ما يلي ثم ماذا بشأن ما تزداده الارحام من اجنة حتى تخرج الى الحياة ومن منا يستطيع ان يحصي ذلك او يزعم انه يستطيع ان يتصور حقيقتها وعددها .. ولا ادري ماذا يقصد ابو احمد بعملية الاحصاء ويبدو انه يسألنا اذا كنا نستطيع احصاء عدد الاجنة في كل الارحام ..!! المهم ان ذلك غير ما ذهبت الية الاية من معنى … والواضح ان كلمة تزداد هنا تشير الى الاسابيع التي يمكثها الطفل في رحم امه زيادة على الشهور التسعة وهى بالتأكيد مدة محدودة مقارنة بالمدة الاصلية .. وحتى لو اشارت الايه الى احتمال وجود اكثر من جنين في الرحم الواحد فان الزيادة تظل ايضا محدودة .
4- الاية وقل رب زدني علماً سورة طه (114)
ونص الاية الكامل يقول : فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقران من قبل ان يقضى إليك وحية وقل ربي زدني علما هذا الخطاب موجة الي الرسول الكريم صلوات الله وسلامة علية ويقول في ذلك تفسير الجلالين : لا تعجل يا محمد بقراءة القرآن وانتظر حتى يفرغ جبريل من ابلاغه لك ثم قل ربي زدني علما اى كلما انزلنا عليك شيئا زدت به علماً وهذا الشرح يختلف عما جاء به ابو احمد من ان العلم المطلوب في الايه واسع غير محدود وان الله يحث المؤمن على طلب العلم الىما لا نهاية ولا ادري من اين جاء ابو احمد بهذا المفهوم الذي يخالف كل التفاسير المعروفة !! وهو قد فعل ذلك لا لشئ الا ليبرهن على ان لفظ الزيادة يحتمل ارتفاعاً كبيرا في القيمة ليس له حدود ..وحتى لو سلمنا ان الخطاب بعمومية النص فان الاستزادة المطلوبة لا تكون واسعة بلا حدود ..وواقع الحال يبين لنا ان كل طالب يسأل الله النجاح والتوفيق حتى يستوعب دروسه وينجح للسنة التالية .. فاذا كان في الثانوية العامة فان منتهى امله ان ينجح بتفوق حتى يدخل الكلية التي يريدها .. واذا دخل الجامعة دعا الله ان ينجح سنة بعد اخرى ليتخرج ويحصل على الليسانس او البكالوريوس .. فاذا تحقق له ذلك ربما فكر في اكمال مشوار الدراسات العليا .. ولا يخطر ببال احد ان يدعوا طالب الثانوية كي يزداد من علم الجامعة او الدراسات العليا بينما هو لا يزال في التوجيهية . وارجو ان يفرق ابو احمد بين علم يؤتية الله لانبيائه ورسلة بالوحي او عن طريق الملائكة فيطلبون الاستزادة منه وبين علوم حثنا الله على ان نبحث فيها وندرسها ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولى الالباب … فهذا العلم ندعوا الله ان ييسر لنا سبله ويوفقنا لبلوغ منتهاه .. وعلى ذلك فان الزيادة في الاية تتحدث عن علم محدود يناسب مرحلة من المراحل او فترة من الفترات ..
5 -الايتان : ولئن شكرتم لازيدنكم ( ابراهيم 7)
وسنزيد المحسنين ( البقرة 58)
تتحدث الايتان عن قصتين لبني اسرائيل وفيهما وعد من الله ان يزيدهم من التعلم الدنيوي في حالة شكرهم له واستغفارهم لذنوبهم وان يزيد الطائعين من فضلة . ولان الكلام عن بني اسرائيل وما حفلت به سيرتهم من معاصي لا تنتهي فان ما يمكن فهمه من لفظ الزيادة في الايتين لا يدل الا على ارتفاع محدود في القيمة لان مجرد توبة الله عليهم في كل مرة واعطائة لهم الفرصة تلو الاخرى كي يتوبوا كان شيئا عظيماً ومن ثم فان الزيادة التي وعدهم بها تظل محدودة مقارنة بتفضيلهم السابق على العالمين وتوبته عليهم بعد كل معصية انظر في ذلك الايات .
* ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون ( البقرة 52)
* ثم بعثتاكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون (البقرة 56)
* ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمتة لكنتم من الخاسرين ( البقرة 64).
ولو أخذنا عموم النص في الايتين فاننا نجد ان لفظ الزيادة يظل في كل الأحوال دال على ارتفاع محدود نسبة إلى الأصل لان ثواب الله لعبادة يظل كبيرا وعظيما ولو كانت الزيادة غير محدودة لقال الله تعالى – كما في آية أخرى .. يضاعف له وله اجر كريم
المجموعة الثانية :- مفهوم الزيادة في آيات تشتمل على أرقام ويعترف آبو احمد في مقالته أن لفظ الزيادة في آيات أخرى يشير إلى ارتفاع محدود في القيمة وهذه الآيات هي :
وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون (الصافات 147) ويزداد كيل بعير( يوسف 62 )ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا (الكهف 25،ولكن أبو احمد لا يريد أن يسلم بوجود تزامن بين استخدام لفظ الزيادة مع وجود ارتفاع محدود نسبيا في القيمة فارجع محدودية الارتفاع إلى ما اسماه القرائن الموجودة في الآيات وليس إلى لفظ يزيد أو ازداد وهو يقدم لذلك شرحا لم افهمه ولم أجد له أساسا من علم أو لغة.
الموضوع الثالث : مفهوم الزيادة المثلية في بعض الآيات مثل :
زادهم رجساً إلى رجسهم ..التوبة (125)
ويزيدكم قوة إلى قوتكم .. هود (52)
زدناهم عذابا فوق العزاب .. النحل (88)
ويقرر أبو احمد أن الزيادة هنا هي زيادة المثل أي الضعف كحد ادنى وربما تكون اكثر من الضعف . وما توصل إلية أبو احمد غير صحيح على الإطلاق وسأضرب مثالا على موضوع القوة لأنة قابل للقياس الكمي فلو كان لدى جيش ما قوة تقدر بنحو ألف دبابة ومائة طائرة ومليون جندي فان زيادة هذا الجيش قوة إلى قوته يمكن أن تكون طائرة واحدة أو دبابة واحدة أو سرية صغيرة من الجند وليس من الضروري أن يتضاعف العدد على نحو ما يقول أبو احمد حفظة الله ..
والخلاصة أن لفظ الزيادة في القران الكريم قد اقترن بالإشارة إلى ارتفاعات محدودة نسبيا إلى الأصل في كل حالة .. والآيات التي بها أعداد توضح المعني المقصود فكيل بعير واحد في قصة يوسف نسبته إلى عشرة (لكل من اخوة يوسف) يمثل زيادة محدودة عشرة بالمائة والزيادة في قوم يونس عن مائة ألف قد تكون بالآلاف باعتبار ان الزيادة الطبيعية للسكان لا تقل عن ثلاثة بالمائة سنويا ولكنها كنسبة إلى مجموع السكان تظل ضعيفة ..والآيات التي لا يوجد بها أعداد لا يمكن الحكم عليها إلا من خلال معرفة مقاصد الزيادة فيها والرجوع إلى ما ورد في التفاسير أمر مهم في هذا الخصوص ..

ننتقل بعد ذلك ألي ما قاله أبو احمد عن مدلول لفظ يربي من القران الكريم ولان مقالته هذه طالت اكثر من اللازم لذا فإنني استميح القراء عذرا أن أتحدث عن ذلك باختصار ففي السنة النبوية عدة أحاديث وردت فيها كلمة يربي بمعني يضاعف وهي حديث إن صدقة أحدكم يضعها في يد الفقير فيربيها الله له فإذا بها يوم القيامة على قدر جبل أحدكم وحديث الطعام الذي نما ببركة دعاء الرسول الكريم ومعه نفر كثير ويربي هنا بمعنى يضاعف وليس يزيد فقط ..
وفي القرآن نجد أن كثيراً من آيات الربا قد اقترنت بلفظ المضاعفة ابتداء بآية ، وما أتيتم من ربا )) في سورة الروم (39) إلى سورة لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة 00 في سورة آل عمران (130) إلى سورة يربي الصدقات( البقرة(27) إلى آية (( أخذناه آخذة رابية ))والمقصود بكلمة أربى في أية (( أن تكون أمة أربى من أمة 00 في سورة النحل (92) هو وجود أمتين إحداهما قوية جداً كالاتحاد السوفيتي سابقاً والثانية ضعيفة مثل دولة بولندة فتكون الثانية خاضعة للأولى عن ضعف 0 فإذا انهارت الأولى فان الثانية تنفض عن نفسها المهانة وتنقلب عليها 00 وربما أعلنت الانضمام الى حلف شمال الأطلسي 00 وذلك مجرد مثال ولو كانت قوة الاتحاد السوفيتي تزيد فقط عن قوة بولندة لما كانت العلاقة ببينهما من البداية 0
وأما في آية : فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ( سورة الحج 22) فان نزول الماء يكون على الأرض وبداخلها البذور وهذه تهتز وتتضخم وتنبت المزروعات المختلفة التي يصل حجمها أضعاف حجم البذرة الأصلية 00 وأما الأرض فتبقى كما هي بدون زيادة أو نقصان.