لا تزال ردود الفعل تتوالى على موضوع الزيادة التي طرأت علي رسوم نشاطات وزارة الداخلية وخدماتها للجمهور وهذه الزيادات كانت تبدو في جانب منها مبررة ومنطقية إذا أخذنا بعين الاعتبار العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة من جراء انخفاض أسعار النفط بما يزيد عن ثلاثين بالمائة وحاجة الدولة الماسة في هذه الفترة إلى المال لتغطية التزاماتها الإنمائية الضخمة .. ولكن الذي فاجأ الناس وبلبل أفكارهم هو ذلك التعدد المفرط للرسوم والمغالاة في زيادة بعضها إلى أضعاف مضاعفة ، ومن ذلك على وجه الخصوص رفع رسوم تجديد إقامة العاملين في القطاع الخاص من 50 ريالاً إلى 1000 ريال للسنة الواحدة.
إن هذه الزيادة الأخيرة بمفردها تتصل بعدد كبير من الناس ويمكن أن نقدر من ستطالهم سنوياً بأكثر من مائة ألف عامل ، ومعنى ذلك أن هذه الزيادة بمفردها ستزيد حصيلة إيرادات الحكومة بنحو مائة مليون ريال على الأقل بخلاف حصيلة الرسوم والغرامات الأخرى . وفي المقابل سيكون لهذه الزيادة آثار سلبية يمكن حصرها على النحو التالي :
ا – إنها ستؤدي إلى زيادة مباشرة وكبيرة في معدل التضخم في البلاد حيث سيميل كل صاحب مصلحة إلى زيادة أسعار منتجاته أو خدماته وسيكون المستهلك النهائي هو الضحية سواء كان قطرياً او مقيماً ويؤدي ذلك بالتالي إلى زيادة المعاناة الإنسانية لشريحة واسعة من المجتمع خاصة في ظل زيادات أخري للرسوم من جهات حكومية أخرى .
2 – أن الحكومة ستدفع بالشمال ما أخذته باليمين حيث أنها ستضطر إلى دفع مبالغ مالية أكبر مقابل ما ستحصل عليه مستقبلاً من سلع وخدمات من المقاولين والشركات .
3 – أن هذه الآثار التضخمية قد تولد ضغوطاً في المستقبل القريب من اجل زيادة المرتبات والأجور إذا تبين أن التضخم الذي انطلق من عقاله قد أصبح خارج السيطرة .
4 – أن الأثر المباشر للزيادة المشار إليها ( وأقصد زيادة رسم تجديد الإقامة ) وكذا الأثر النفسي سوف يعملان على خفض الميل الحدي للاستهلاك عند المواطنين والمقيمين ، وسيؤدي ذلك إلى نتائج سلبية على مستوى النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص في وقت يعاني فيه هذا القطاع من ضعف وركود كبيرين . وسيؤدي أيضا إلى إغلاق عدد من المؤسسات والشركات التي كانت تعمل عند هامش ربح محدود أو تلك التي تمر بظروف مالية استثنائية .
لقد كان من الممكن أن يمر القانون بأكمله دون أن يلتفت إليه أحد لولا تلك الزيادة الكبيرة في رسم تجديد إقامات العمال وهي الزيادة التي جاءت في وقت غير مناسب من حيث مستويات النشاط ومعدلات السيولة في البلاد .. ولو كانت الظرف غير الظروف وكان هنالك نشاط وانتعاش وتزايد في الأجور والأرباح ، فان زيادة إلى الضعف أو الضعفين في مستوى رسم خدمة التجديد ، لم تكن لتثير مشكلة ولكن أن يتم ذلك في وقت تزداد فيه الشكوى من ضيق الحال وان تكون الزيادة إلى ألف ريال فهو ما لم يستسيغه أحد فضلاً عن أن يتجرعه ويهضمه . وقد فهم الناس أن الزيادة المقررة تسري على جميع العاملين في القطاع الخاص بنفس القدر وبدون تمييز بين من هو مهندس أو طبيب وبين من هو في أدنى درجات السلم الوظيفي كالفراش والمراسل كما أنها لا تميز بين فئات المدرسين أو الممرضين أو الفنيين ونحوهم . وقد كان من المنطقي أن يكون هناك تفاوت في مقدار الرسم بما يتناسب مع الراتب أو الأجر الذي يحصل عليه كل عامل أو موظف. وقد يقول قائل إن الزيادة الكبيرة في رسم تجديد الإقامة للعمال هي أمر مطلوب للحد من النشاطات الهامشية التي تتحمل فيها الدولة تكلفة مجتمعية عالية غير منظورة ولا يتحملها صاحب العمل ولكون في صورة توفير خدمات صحية ومياه وكهرباء وغير ذلك بأسعار رمزية وغير حقيقية . وهذا القول صحيح إلى حد ما ولكن مواجهة مثل هذه الحالات يمكن أن يتم بشكل مباشر عن طريق إلغاء تصاريح المؤسسات التي لا تتمكن من تحقيق أرباح كافية بعد فترة معينة ، أو بوضع قيود كمية على منح تصاريح جديدة للنشاطات المكررة جداً والهامشية بعد دراسات ميدانية تقوم بها وزارة المالية والاقتصاد والتجارة . كما أن من الضروري مراعاة التدرج عند معالجة قضايا زيادة الرسوم لمثل هذه الأغراض كي يعطى أصحاب هذه المنشآت والشركات الفرصة لمراجعة مواقفهم ولتصفية أعمالهم بأقل قدر من الخسائر وذلك بإعطائهم مهلة طويلة قبل بدء التنفيذ وان يكون هناك أكثر من مرحلة قبل الوصول إلى الرسم المستهدف .
إن حق الحكومة في زيادة الرسوم وفق ما تقتضيه المصلحة أمر لا نزاع فيه بل ويقرها علي ذلك كل وطني مخلص طالما تمت تلك الزيادة بعد دراسة مستفيضة ومتأنية وقد حدث أن مرت زيادة أسعار المنتجات البترولية بدون ضجيج بعد أن أدرك الجميع أهمية تلك الزيادة وضروراتها الملحة ، وما تنطوي عليه من عدالة تامة في تقسيم العبء على الجميع كل بقدر طاقته وإمكانياته .
إن من المؤمل أن يأمر صاحب السمو أمير البلاد المفدى بإعادة النظر في رسم تجديد الإقامة للعمال حتى يأخذ الموضوع حظه من الدراسة والتمحيص لما فيه مصلحة الوطن والمواطن .