طلع علينا أحد العلماء الأفاضل قبل شهرين من الزمان ببيان فصل فيه الحلال والحرام في أنشطة الشركات القطرية المساهمة ، وكان من خلاصة ما توصل إليه أنه باستثناء الشركات الإسلامية الثلاث ومعها شركتان لا تتعاملان مع البنوك التقليدية بالإيداع والاقتراض ، فإن باقي الشركات وعددها سبعة عشر شركة لا تخلو أرباحها من الحرام وأن على حملة الأسهم البحث في نسبة الحرام واستقطاعها من الأرباح الموزعة ..
ولقد ترددت في التعليق على البيان المذكور في حينه لاعتبارات كثيرة منها الخلاف مع صاحب البيان في علة التحريم وعدم الرغبة في إثارة موضوعات خلافية في وقت تتركز فيه جهود العرب والمسلمين في البحث عن سبل لدعم انتفاضة الأقصى .. على أن الموضوع فرض نفسه هذا الأسبوع من زاوية مغايرة تماماً وذلك عندما ورد في نشرة مصرف قطر الإسلامي الصادرة هذا الأسبوع خبرٌ عن تدشين المصرف لمحفظة استثمارية مرتبطة بما يعرف بمؤشر داو جونز الإسلامي 0 ولقد ورد في الخبر أن هيئة الرقابة الشرعية بالمصرف حددت شروطاً للشركات الستثمر في أسهمها تتلخص في الآتي:
1) أن تكون أنشطة الشركة الرئيسية والفرعية مباحة شرعاً.
2) أن لا تزيد القروض المصرفية للشركة عن 30 بالمائة من القيمة السوقية لأسهمها .
3) ألا يزيد الدخل من الفوائد البنكية عن 5 بالمائة من دخل الشركة الإجمالي.
4) ألا تكون نسبة النقود والديون على الغير في أصولها أكثر من 49 بالمائة.
هذه الشروط أعلاه قد تكون في نظر الكثيرين – ومنهم العالم صاحب البيان – غير كافية للإفتاء بجواز التعامل في أسهم تلك الشركات لما فيها من تعاملات بنكية لا يستهان بها، وان كنت أستغرب في الوقت ذاته سكوته حتى الآن عنها وعن غيرها من محافظ مماثلة، ولكن الأهم من ذلك- في نظري- هو وقوع هيئة الرقابة الشرعية في تناقض صارخ مع مبادئها المعلنة وذلك من زاوية التشجيع على الاستثمار في شركات أمريكية ، إذ كيف يمكن أن يقبل أي عالم على نفسه أن يطالب الناس على الملأ بمقاطعة بضائع الشركات الأمريكية ، ثم يذهب إلى اجتماعات لجان الرقابة الشرعية ليجيز التعامل في محافظ استثمارية تستقطب عشرات الملايين من الدولارات لضخها في خزائن تلك الشركات، فهل فات على أصحاب الفضيلة أن كثيراً من الشركات الأمريكية هي شركات متعددة الجنسيات يصعب عملياً الفصل في رأسمالها وإيراداتها بين ما هو يهودي وغير يهودي ؟ وأنه إذا كان التعامل مع هذه الشركات منهيٌ عنه في ظل تفاقم الصراع العربي الإسرائيلي ، فإن الاستثمار في أسهمها هو الحرام بعينه ؟
إنه لمن العجب العجاب أن يكون من بين أسباب تحريم التعامل مع البنوك التقليدية أنها قامت في الأصل على أيدي اليهود ، ثم لا تتورع بعض المصارف وشركات الاستثمار الإسلامية بعد ذلك في البحث عن الربح الحلال لدى شركات يختلط فيها المال اليهودي الصريح مع الأمريكي الداعم لإسرائيل بشكل سافر . وأود بهذه المناسبة أن أسال مصرف قطر الإسلامي وغيره من الشركات التي سبقت في استعمال مصطلح داو جونز الإسلامي عن عدد الشركات الأمريكية التي يمكن أن تتوافر فيها الشروط التي وضعتها لجان الرقابة الشرعية حتى تكون ضمن المحافظ الاستثمارية ثم من يضمن أنه بعد اختيار أسهم الشركة ضمن المحفظة أن تستمر تعاملاتها ضمن الإطار الذي تحدده الشروط ، وهل هذه الشركات تقع جميعها ضمن الشركات المؤلفة لمؤشر داو جونز ، وعددها ثلاثين شركة ، أم أن اختيار الاسم قد جاء فقط لاعتبارات ترويجية بحتة ؟
هذه الأسئلة نطرحها للنقاش ، والموضوع له بقية في متابعات أخرى.