كان لمقال الأسبوع الماضي صدى واسع عند كثير من الناس حيث اتصل البعض منهم مؤيداً لما كتبت ومستنكراً لذاك التناقض بين دعوة العلماء لمقاطعة المنتجات الأمريكية والإسرائيلية وبين مباركتهم وإجازتهم للاستثمار في أسهم تلك الشركات . وكنت أتوقع أن يصدر رد من هيئة الرقابة الشرعية بالمصرف يتضمن اعتذاراً للناس عن خطأ غير مقصود في إجازة التعامل بمحافظ داو جونز ( الإسلامي ) أو أن يصدر على الأقل تبرير يوضح مدى حاجة الناس لتلك المحافظ دون غيرها ، وما إذا كانت هنالك ضرورات تبيح المحظورات في هذا الوقت بالذات .
ولمن فاته المقال السابق فإنني أوجزه في نقطتين :
الأولى : إن هيئة الرقابة الشرعية بمصرف قطر الإسلامي قد أجازت للمصرف تسويق محافظ استثمارية مضمونة رأس المال يتم استثمار أموالها في أسهم مختارة من شركات أمريكية وفق قواعد وشروط معينة تتركز على الابتعاد عن التعامل بالفوائد إلا في حدود دنيا وألا يكون نشاط الشركة غير مباح .
الثانية : إن هيئة الرقابة تكون بذلك قد أجازت تجميع ملايين الدولارات من أموال المسلمين لاستثمارها في شركات أمريكية يختلط فيها المال اليهودي بغير اليهودي في الوقت الذي يطالب فيه العلماء الناس بالامتناع عن شراء منتجات البضائع الأمريكية .
***
ولقد سألني أحد الأخوة غير المتخصصين عن مؤشر داو جونز وكيف يصبح إسلامياً وما إذا كانت له علاقة بمؤشر الفايننشال تايمز الإسلامي ؟؟
فقلت : إن المؤشر هو بإيجاز متوسط حسابي لأسعار أسهم عدد من الشركات التي يتم تداول أسهمها في السوق المالية ، ويكون المتوسط مرجحاً بالأهمية النسبية لكل شركة ممثلة بقيمة أسهمها ، وداو جونز هو متوسط أسعار أسهم 30 شركة أمريكية من الشركات الكبيرة ، في حين أن فايننشال تايمز هو متوسط أسعار أسهم مائة شركة بريطانية .
وقد ساعد التطور التكنولوجي المذهل في مجال الاتصالات والكمبيوتر والإنترنت مع انفتاح الأسواق الغربية أمام المستثمرين في جميع أنحاء العالم على دخول أعداد كبيرة جداً من المستثمرين العرب والمسلمين إلى هذه الأسواق ، إما بشكل مباشر أو عن طريق بنوك وشركات استثمارية .. وقد جنت هذه الشركات والبنوك أرباحاً كبيرة من أعمال الوساطة المالية هذه ، مما دفع البنوك الإسلامية إلى البحث في إمكانية الاستفادة هي الأخرى من هذه الفرص المتاحة في السوق العالمية .. وقد واجهتها في ذلك عدة مشاكل : الأولى كانت بسيطة وتتمثل في استبعاد الشركات التي تتعامل مع منتجات غير مباحة إسلامياً كالخمر والخنزير والقمار واللهو ، والثانية استبعاد التعامل في أسهم البنوك وكافة الشركات التي لها علاقة مالية قوية مع البنوك اليهودية . ووضعت لجان الرقابة الشرعية ضوابط لذلك كأن لا تزيد القروض البنكية في مطلوبات أي شركة على 30 بالمائة .
وحتى تجذب الانتباه وتستقطب أموال المسلمين الراغبين في الاستثمار في الأسواق الغربية فإن الشركات الراعية لهذه المؤشرات أطلقت عليها ألقاباً إسلامية تمييزاً لها عن المؤشرات المعتادة .
وفي تقديري إن هذه المسميات ما هي إلا طلاء خارجي براق لواقع غير إسلامي الهدف منه تحقيق أرباح مالية للشركات المروجة لتلك المحافظ الاستثمارية .. ولقد كان على هيئات الرقابة الشرعية أن تضيف شروطاً أخرى للشركات التي يتم اختيارها ضمن المحافظ ومن ذلك :
1 – ألا تكون من الشركات المعروف عنها دعمها لإسرائيل بشكل مباشر في صورة تعاملات وفروع تجارية ، أو غير مباشر في صورة دعم مالي وتبرعات لإسرائيل .
2 – ألا يكون المال اليهودي مسيطراً فيها .
3 – ألا تكون الغالبية من أعضاء مجلس الإدارة من اليهود .
هذه الشروط تبدو ضرورية جداً لجواز التعامل في أسهم الشركات الأمريكية ، ومع ذلك فقد يكون من الأفضل البحث عن فرص استثمار إسلامية حقيقية من واقع الشركات الجيدة في بلاد المسلمين بدلاً من الترويج لشركات غربية .. وعلينا التوقف عن التعامل مع شركات المضاربة بالعملات وبالأسهم على كافة أنواعها خاصة بعد أن ثبت بالدليل القاطع أنها مصدر للخسائر الفادحة لمعظم المتعاملين .. ولو بعد حين .
يقول الرسول الكريم صلوات الله عليه :
( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .. )
فهل يكون مؤشر داو جونز الإسلامي أحد الجحور التي تنبأ بها الرسول الكريم ؟