كتبت أكثر من مرة محذراً من أن الإقتصاد الأمريكي، ومن ثم الإقتصاد العالمي ككل، لن يخرجا من حالة الركود قريباً وأن الأمر يقتضي مرور عام آخر أو عامين حتى يستعيدا بعض العافية المفقودة، وقلت إن تلك الفترة من الركود تبدو ضرورية في الأحوال العادية التي تفصل بين انتعاشين متتالين، ولكنها هذه المرة أكثر إلحاحاً لأسباب عدة منها طول فترة الإنتعاش السابق في الولايات المتحدة والتي إمتدت لقرابة نحو 10 سنوات، وبسبب ما خلفته أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة من زعزعة لثقة المستثمرين والمستهلكين..
ورغم بعض التطمينات التي صدرت قبل أسبوعين عن بنك الإحتياطي الفدرالي بإبقائه معدل الفائدة بدون تغيير، للإيحاء بأن الركود الاقتصادي قد أوشك على الإنتهاء، ورغم علامات التفاؤل التي اتسم بها بيان وزراء مالية الدول الصناعية الكبرى الذين إجتمعوا في أوتوا بكندا يوم الجمعة الماضي، ورغم بعض البيانات المتفرقة التي تصدر من هنا وهناك مقرونة ببعض التحسن إلا أن الصورة الكلية للإقتصاد الأمريكي بوجه خاص والإقتصاد العالمي بوجه عام لا تزال غير مشجعة وتبعث على التشاؤم. بل أن بعض كبار المستثمرين الأمريكيين ومنهم بيل غيتس قد عبروا في الآونة الأخيرة عن إختلافهم مع وجهة نظر المسؤولين في بنك الإحتياط الفدرالي وأكدوا أن الإنتعاش للإقتصاد الأمريكي لن يتحقق قبل عام 2003، ويرى آخرون الآن أن الآثار الناجمة عن إفلاس شركة آنرون الأمريكية العملاقة للطاقة سوف تضعف أي أمل للخروج المبكر من الركود لسببين:
1. أن التحقيقات الجارية في موضوع إفلاس الشركة وما تكشف عنه من حقائق محاسبية مذهلة بشأن الديون التي كانت خافية عن المساهمين والمستثمرين، تضعف من ثقة المستثمرين والمستهلكين وهو الأمر الضروري لحدوث الإنتعاش.
2. أن ضعف الثقة يزيد من تكلفة تمويل الإستثمار لهذه الشركات، فيشكل بذلك عنصر إبطاء إضافي رغم جهود بنك الإحتياط لخفض معدلات الفائدة.
*************
إن أجواء عدم الإستقرار التي تسود العالم اليوم ستعمل من جانبها على إطالة الركود بأكثر مما ينبغي.. وقد أضافت إدارة الرئيس بوش عاملاً جديداً لعدم الإستقرار العالمي عندما حددت لنفسها عدواً جديداً تمثل في محور الشر الإيراني العراقي الكوري – على حد تعبير الرئيس بوش – ورغم صيحات الإستهجان والإستنكار التي صدرت ضد هذا التحديد للعدو الجديد من داخل الولايات المتحدة ومن أقرب حلفائها في أوروبا، إلا أن العالم بات يمشي الآن على أصابعه خوفاً مما ستحمله الأيام القادمة من تهديدات محتملة للأمن والسلام العالمي. وقد جزعت كثيراً هذا الأسبوع من تصريح لمسؤول كبير في الحرس الثوري الإيراني أكد فيه أن بلاده ستحرم الدول الغربية من نفط الخليج إذا ما هاجمت الولايات المتحدة إيران. ورغم أن مثل هذه التصريحات تكون في الغالب وقائية وتحذيرية بهدف إرباك الخصم، إلا أنها قد تحدث ولو جزئياً إذا ما فلت الزمام وتدهورت الأمور على نحو غير متوقع، وكلنا يذكر الآن ما خلفته حرائق النفط الكويتية في عام 1991 من دمار وخراب على البيئة والإقتصاد. ومن هنا نقول إن التصعيد الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة ما أسمته محور الشر، وإطلاقها يد السفاح شارون ليعيث في فلسطين فساداً، لا يساعد أبداً لعودة الإنتعاش قريباً إلى الإقتصاد العالمي، بل إن الأمور قد تتدهور بشدة إذا لم تتحرك القوة الفاعلة في الساحة الدولية وخاصة دول الإتحاد الأوروبي وروسيا والصين لتحذير الإدارة الأمريكية من مغبة تصرفاتها الغير متوازنة والغير مسؤولة.