البنوك المحلية ومستقبل المنافسة على السوق

رغم أنني كتبت على مدى الإسبوعين الماضيين مدافعاً عن أعمال البنوك ومؤيداً لقرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف الذي أعلن أن فوائد البنوك ليست من الربا المحرم إلا أنني في المقابل لا أتوقف عن مطالبة البنوك المحلية في قطر بالتخفيف عن المقرضين والعمل على خفض معدلات الفائدة على القروض من مستوياتها المرتفعة إلى مابين 6 – 8 % فقط طالما أن معدلات الفائدة على الودائع فد إنخفضت دون مستوى 2%. والحقيقة أنه لم تعد للبنوك حجة في الإبقاء على المعدلات العالية لفوائد القروض بعد أن مر أكثر من عام على وصول معدلات الفائدة على الودائع إلى أدنى مستوياتها. وبقدر ماتهتم إدارات البنوك بتحقيق أعلى عائد ممكن بالقدر الذي يجب عليها أن تراعي مصالح عملائها من أفراد وشركات ومؤسسات حتى يتمكن الجميع من تحقيق نتائج جيدة تنعكس إيجاباً على آداء الإقتصاد القطري ككل. وإذا كان هؤلاء يقبلون بأخذ عائد متدني جداً على ودائعهم ، فإن على البنوك في المقابل أن لاتغالي في تحديد معدلات الفائدة على القروض أو على معدلات مرابحات التمويل في البنوك الإسلامية.

بنوك الأفشور .. هل تحل المشكلة ؟
وهناك من يرى أن البنوك المحلية لن تذعن للضغوط التي تمارس عليها لتخفيض معدلات فائدة القروض إلا إذا سُمح لبنوك منافسة بالعمل في قطر ويطالبون على وجه الخصوص بالسماح بتأسيس بنوك وحدات خارجية ( أفشور ) تفعيلاً للقانون الذي صدر بهذا الخصوص في عام 1997م … فالمعروف أن هذه البنوك التي تكون فروعاً لبنوك أجنبية وتُعطى تراخيص لمزاولة كافة الأعمال المصرفية بإستثناء قبول الودائع من العملاء ، ويتركز نشاطها الرئيسي في تقديم القروض إعتماداً على ما يتجمع لديها من أموال من خارج قطر ، وتكون معفاه من الضرائب ومن متطلبات الإحتياطي النقدي لمصرف قطر المركزي.

والحقيقة أن مشكلة إرتفاع معدلات الفائدة على القروض يمكن أن تجد طريقها للحل بدون الحاجة إلى تأسيس بنوك أوفشور ، وذلك إذا ما أدركت إدارات البنوك حجم الخسائر المالية التي ستلحقها إذا ماسُمح لبنوك الأفشور بالعمل في قطر ليس فقط نتيجة لخفض معدلات الفائدة على القروض لاحقاً وإنما لخسارتها جزء من السوق لصالح تلك البنوك.

وعلى البنوك المحلية أن تدرك أن المنافسة في السوق القطري قد لا تأتيها من بنوك الأفشور فقط وإنما من البنوك الخليجية التي سُمح لها بفتح فروع في دولة قطر تنفيذاً لقرار صادر من المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون.

الظروف لم تعد مواتية لبنوك الأفشور في قطر :
والواقع أن الحاجة إلى بنوك الأفشور لم تعد قوية بنفس الدرجة التي كانت عليها عند صدور القانون الخاص بها في أغسطس 1997م ،فقد تبدلت الأوضاع والمعطيات المالية للدولة وللجهاز المصرفي القطري وذلك يتضح من الآتي :

1. إن الودائع المصرفية قد إرتفعت إلى مستوى 44 مليار ريال في إكتوبر 2002 مقارنة بـ 24.6مليار ريال في ديسمبر عام 1997م ، في حين أن إجمالي التسهيلات الإئتمانية قد ارتفعت إلى مستوى 34.6 مليار في إكتوبر 2002 مقارنة بـ 23.9مليار عام 1997م.

2. إن دولة قطر قد تمكنت من التعامل مع سوق السندات الدولية منذ عام 1999م وجمعت ما يعادل عدة مليارات من الريالات في أكثر من إصدار ، كما أنها أصدرت سندات في السوق المحلي في خمس مناسبات بما مجموعه خمسة مليارات من الريالات ، مع وجود نيه للإستمرار في هذا الإتجاه بما يعيد التوازن إلى الجهاز المصرفي القطري.

3. إن دولة قطر تجاوزت والحمد لله فترة السنوات الصعبه التي كانت فيها بحاجة إلى مبالغ طائله لتمويل العجز في موازنتها العامة أو لسداد قروض سابقة أو لتغطية حصصها في المشروعات الإنمائية. ومن المتوقع أن تكون السنوات القادمة أكثر إستقراراً نتيجة لارتفاع إيرادات الحكومة من الغاز المسال ودخول عدد من الشركات الصناعية حيز الإنتاج الفعلي.

4. إن تنويع العمل المصرفي داخل قطر يمكن أن يتم من خلال التعامل مع البنوك الخارجية عبر الإنترنت E-Banking وهو مجال جديد في العمل المصرفي ستكون له آفاق واسعه في المستقبل القريب.

5. إن السماح لبنوك الأفشور بالإقراض في السوق المحلي يؤثر على مستويات السيولة المحلية التي يعمل مصرف قطر المركزي على ضبطها بأدوات السياسة النقدية المتاحة ، خاصة مع عدم خضوع تلك البنوك لمتطلبات الإحتياطي النقدي.

الخلاصة :
قد لايكون متوقعاً السماح لبنوك الأفشور بالعمل في قطر في الوقت الراهن للإعتبارات المشار إليها أعلاه ، ولكن ذلك لن يظل مستبعداً في الأجل الطويل في ظل الإتجاه المتسارع للعولمة ، وعلى البنوك المحلية أن تكسب ود عملائها بخفض معدلات فائدة الإقراض حتى لاتخسر جانب كبير منهم عندما ينفتح الباب للمنافسة القوية من جانب بنوك خليجية أو عالمية ….