الأوضاع الاقتصادية ما بين عام مضى وآخر آت

قد يكون عام 2002م واحداً من أفضل الأعوام التي مرت على الاقتصاد القطري خلال العشرين سنة الماضية ، ولكنه بالتأكيد لم يكن كذلك بالنسبة للاقتصاد العالمي في مجمله واقتصادات الدول المتقدمة بوجه خاص. فقد عانت هذه الاقتصادات من تباطؤ النشاط وزيادة معدلات البطالة وارتفاع أسعار النفط وازدياد حالات الافلاس وتدهور أسعار الأسهم. ونحاول في هذه السطور القاء الضوء على بعض الملامح الرئيسية لاقتصادات الدول المتقدمة وأوضاعها الاستثمارية تاركين الحديث عن الاقتصاد القطري لمتابعة أخرى تأتي في حينها بإذن الله تعالى.
ونبدأ بالحديث عن النمو الاقتصادي الذي ضعف كثيراً وسجل معدلات متدنية هي أقرب إلى الركود منها إلى النمو في اليابان ودول الاتحاد الأوروبي وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية .. وقد تزامن ذلك مع ارتفاع معدلات البطالة إلى 6% في الولايات المتحدة و 5.5% في اليابان وما بين 9 – 10% في ألمانيا وفرنسا. وقد كان من نتيجة ذلك أن أقدمت البنوك المركزية على إجراء خفض جديد علىمعدلات الفائدة على العملات الرئيسية في شهر نوفمبر الماضي رغم أنها كانت منذ بداية العام عند أدنى مستوى لها لأكثر من 40 سنة. وفي حين ظلت معدلات الفائدة على الين قريبة من الصفر فإنها انخفضت على الفرنك السويسري إلى 0.75% ، وعلى الدولار إلى مستوى 1.25% ، وعلى اليورو إلى مستوى 2.75%.
ورغم هذا التراجع الكبير في معدلات الفائدة على معظم العملات الرئيسية ، إلا أن ذلك لم يُجدِ إلا في التقليل من حِدة التدهور الحاصل في أسعار الأسهم ، وفي الحيلولة دون انزلاق الاقتصادات إلى مرحلة الركود أو حتى الكساد .. والمشكلة التي باتت تعاني منها الاقتصادات المتقدمة هي في انعدام الثقة لدى المستهلكين (الذين تآكلت مدخراتهم بعد ثلاث سنوات من التراجع في أسعار الأسهم أو قلت مداخيلهم بسبب ازدياد معدلات البطالة) ، ومن تراجع الثقة لدى المستثمرين بعد انكشاف حالات عديدة من الغش وعدم الأمانة لدى المسؤولين في الشركات العملاقة ..
ولقد كان من نتيجة ما سبق ان تراجعت أسعار الاسهم العالمية وتدهورت مؤشراتها الرئيسية للعام الثالث على التوالي .. وبمقارنة البيانات المتاحة هذا اليوم ببيانات اقفال عام 2001م ، نجد أن مؤشر داو جونز ومؤشر النازداك في نيويورك قد انخفضا بنسبة 15% و30% على التوالي في حين انخفض مؤشر النيكاي بنسبة 19% في طوكيو ، وبلغ التراجع في بورصات لندن وباريس وفرانكفورت 24% و33% و38% على التوالي.
ورغم أن الآداء الاقتصادي كان ضعيفاً في كل الدول الرئيسية بلا استثناء ، فإن اليابان ودول أوروبا قد تمتعت بفائض في موازينها التجارية وفي حساباتها الجارية في الوقت الذي بلغ فيه العجز في الميزان التجاري الأمريكي إلى مستويات قياسية ، واستمر التدهور في وضع الحساب الجاري. وقد أدى ذلك إلى توقف سعر صرف الدولار عن الارتفاع ، وسجل في عام 2002 انخفاضاً بنسبة 8% مقابل الين الياباني و 14% مقابل اليورو و9% مقابل الجنيه الاسترليني.
ونتيجة لانخفاض أسعار الأسهم وانخفاض معدلات الفائدة إلى مستويات قياسية وتدهور سعر صرف الدولار ، فإن أسعار الذهب قد عادت لتستحوذ على اهتمام المستثمرين باعتبارها ملاذاً آمناً ليس في وجه التضخم الذي تم كبح جماحه في السنوات الماضية ، وإنما في مواجهة انعدام العائد على الاستثمارات الأخرى وتزايد المخاوف من حدوث مواجهات عسكرية جديدة وخاصة في العراق. وقد قفز سعر أوقية الذهب إلى مستوى 337 دولار بزيادة 16% عن نهاية عام 2001م. وشهد قطاع العقارات ارتفاعات كبيرة في الأسعار وخاصة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية نتيجة الاقبال المتزايد على شراء العقارات في ظل تدهور عوائد الأسهم وانخفاض معدلات الفائدة على الودائع.
وإذا كانت هذه هي باختصار أهم ملامح عام 2002م الاقتصادية على المستوى العالمي ، فماذا عن عام 2003م؟
إن التوقعات ترجح استمرار التباطؤ في نمو الاقتصادات الرئيسية وبالتالي استمرار انخفاض معدلات الفائدة ، وسوف يستمر التراجع في مؤشرات الأسهم بحيث قد نرى مؤشر داو جونز دون مستوى 8000 نقطة ، والنازداك دون مستوى 1200 نقطة. ومن المتوقع أن يستمر تراجع سعر صرف الدولار إلى أقل من 115 يناً ، وإلى 1.1 دولار لكل يورو ، كما أن من المتوقع أن يقفز سعر أوقية الذهب إلى 360 دولاراً. وبالنسبة للعقارات فإن التوقعات الجديدة ترجح حدوث تراجع ملحوظ في أسعارها في عام 2003م نتيجةً للتباطؤ الاقتصادي وبسبب عمليات البيع لجني الأرباح.