بيان موجز لوجهة النظر في موضوع الفوائد البنكية

أبدى كثير من القراء الأعزاء استحسانة للمقال السابق الذي تناولت فيه موضوع الفوائد البنكية ، وطلب مني بعضهم إيجاز ما ورد في المقال نظراً لكونه قد جاء على صفحة كاملة من الجريدة أو ما يعادل 13 صفحة عادية ، ونزولاً عند رغبتهم فإنني أوجز لهم في متابعة اليوم أهم النقاط التي وردت في المقال السابق الذي قلت فيه ما يلي :
1. أن العلماء من السلف قد استنبطوا في الربا أحكاماً واستدلوا على أشياء غير صحيحة إمعاناً في البعد عن الربا ، حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الربا ، وأن الفقهاء من التابعين ومن بعدهم قد نقلوا عن السلف جيلاً بعد جيل حتى وصلنا إلى القرن العشرين بمفهوم أن الفوائد البنكية حرام .. وقد تطلب الأمر عشرات من السنين من البحث والنقاش حتى أمكن تبرئة البنوك من تهمة الربا بقرار من مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر الشريف بتاريخ 31/10/2002م.
2. أن الله قد حرم الربا وتوعد المرابين بحرب من الله ورسوله ، ولكنه شرع التداين للمؤمنين وحدد شروطه في الآية 282 من سورة البقرة ، وهي الأطول بين آيات القرآن الكريم ، ومع ذلك لم ينص ضمن تلك الشروط ولا في غيرها على حرمة تحديد العائد مقدماً أو على عدم جواز أخذ أي زيادة على رأس المال .. بل أن هذين الشرطين قد استنبطهما الفقهاء بالقياس من حديث المزارعة أو بالخلط بين ربا البيوع وربا النسيئة أي الدين ، أو من الفهم غير السليم للآية 279 من سورة البقرة التي تعالج وضعاً استثنائياً لمن يتوبون عن الربا. ولو أراد الله تعالى إقرار أي حكم بعدم جواز أخذ أي زيادة على رأس المال لنص على ذلك صراحة في الآية 282 التي تتحدث عن الدين ولكنه لم يفعل ، وسكت عن ذلك كما سكت الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ، والأصل في الأشياء الاباحة ما لم يكن هناك نص واضح بخلاف ذلك. وأضيف اليوم إن تحريم أخذ أي زيادة على رأس المال يتنافى مع العدل ، فلو تصورنا أن شخصاً قد اقترض مبلغ عشرة آلاف جنية مصري قبل عامين عندما كا سعر الجنيه يعادل ريال واحد تقريباً ، فإن من غير العدل أن يعيدها اليوم كما هي بدون زيادة رغم الانخفاض الشديد الذي طرأ على سعر الجنيه والذي جعل القيمة الفعلية للعشرة آلاف تقل عن 7500 ريال ، ومن الظلم للمقرض أن يستلم أمواله ناقصة في قيمتها الحقيقية تنفيذاً لقوله تعالى : لا تَظلمون ولا تُظلمون.
3. إن من حرموا الفوائد البنكية قد استندوا إلى حديث سنده ساقط وهو : (كل قرض جر منفعةً فهو ربا) ، والثابت أن هذا الحديث لا يتصل سنده بالرسول الكريم ، ومع ذلك تم الترويج له بشكل متعمد لاقناع العامة بحرمة الفوائد.
4. أن الربا لغة هي المضاعفة ، وقد بين الله ذلك في القرآن في أكثر من موضع ، حيث قارن في سورة الروم بين آكل الربا الذي تتضاعف أمواله وبين المتزكي الذي يتضاعف ثوابه عند الله ، وقال عن المتزكين : أولئك هم المضعفون. وفي سورة آل عمران نهت الآية 130 عن أكل الربا أضعافاً مضاعفة ، وكان ذلك قد حدث في فترة كثرت فيها الغزوات ومنها غزوة أُحُد ، وازداد الربا فُحشاً نظراً لاضطراب الأحوال الاقتصادية في تلك الفـترة ، فجاء النهي عن ربا الأضعاف المضاعفة ضمن الآيات التي تتحدث عن غزوة أُحُد. ثم إن الله تعالى قد أعطانا مفتاحاً لغوياً لفهم معنى الربا ، فقال في سورة البقرة : يمحق الله الربا ويربي الصدقات ، بعد أن أخبرنا في سورة الحديد أنه يضاعف ثواب الصدقات ، مما يفهم منه أن يربي بمعنى يضاعف ، انظر في ذلك قوله تعالى : المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم.
5. أن مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر الشريف قد نظر في موضوع الفوائد واعتبر أن الوديعة البنكية بمثابة وكالة من المودع للبنك لاستثمار الأموال على نحو ما يراه مناسباً ، وتوصل المجمع بذلك إلى أنها جائزة شرعاً وليست من الربا. وقد أضفت في المقال السابق بأن الوديعة وكالة وليست قرضاً – كما قال الدكتور القره داغي – لأن البنك هو الذي يحدد معدل الفائدة ، ولأن المودع يضع المال لدى البنك بدون أن يطلب ضمانات أو كفالات كما يحدث في القرض.
وبعد فإن الموضوع يحتاج إلى شرح كثير ، ومن فاته قراءة الأصل فعليه بالرجوع إلى موقعي على الانترنت ، كما أنني مستعد للاجابة على أي استفسار.