بعد مقالة الأسبوع الماضي التي جاءت تحت عنوان انهيار سوق الأسهم الأمريكية، حدث المزيد من التراجع في أسعار الأسهم الأمريكية والأوروبية وخاصة بعد أن قررت شركة (وورلدكم) العملاقة وضع نفسها تحت حماية قانون الافلاس، وهبط مؤشر (داوجونز) إلى ما دون الـ7800 نقطة، وانخفض مؤشر (النازداك) إلى ما دون الـ1300 نقطة.. كما انخفضت مؤشرات الأسهم الأوروبية تبعاً لذلك إلى مستويات متدنية جداً. وعلى مدى الأيام التالية دار نقاش حول الموضوع مع بعض الأساتذة في الاقتصاد، حيث رأى اثنان منهم أن ما يجري في الولايات المتحدة هو انهيار فعلي لركائز الاقتصاد الأمريكي ودعائمه المتينة التي بنى عليها الأمريكيون قوتهم الاقتصادية التي تعتبر الأولى في العالم.. وقال أحدهما أن التاريخ قد علمنا أن دوام الحال من المحال وأن انفراد الولايات المتحدة بالقمة في سنوات العقد الماضي، يتبعه الآن تراجع كبير، وأن القوة العسكرية وحدها لن تشفع للولايات المتحدة للبقاء على عرش الاقتصاد العالمي لسنوات أخرى بدليل أن الاتحاد السوفييتي الذي امتلك ثاني أكبر ترسانة نووية وعسكرية في العالم لم يكتب له البقاء، ورغم احتفاظ روسيا بتلك الترسانات إلا أنها تحولت إلى دولة تصنف بالكاد على أنها ضمن مجموعة الدول الثمان المتقدمة في العالم.
وقال صاحبنا أن الأمريكيين يكتشفون كل يوم فضائح مالية تصيب كبريات الشركات وأن هذا الأمر سوف يستمر في الشهور القادمة لأن الفقاعة التي انفجرت يوم انهارت شركة (أنرون) قد كشفت عن أوضاع بالية ومهترئة كانت مختبئة تحت مظلة القوة العسكرية المهيمنة على العالم..
وقال صاحبنا الآخر إن الاقتصاديات التي تستورد أكثر مما تصدر تكون مرشحة للتدهور والتراجع مثلما هو الحال في كثير من الدول النامية التي تتدهور أسعار صرف عملاتها وتتراكم مديونياتها.. وما يحدث للولايات المتحدة الآن هو شيء من هذا القبيل، فالميزان التجاري الأمريكي في حالة عجز دائم ومتزايد وبلغ مستويات قياسية في شهري إبريل ومايو الماضيين عندما وصل إلى مستوى 37.6 مليار دولار في شهر مايو، وذلك ما ضغط على سعر صرف الدولار نحو الانخفاض خلال الشهور الثلاثة الماضية..
**************
وعلى النقيض من وجهة النظر المشار إليها أعلاه يرى صديقنا الثالث أن ما يجري على السطح في الاقتصاد الأمريكي ليس إلا نتائج للسياسة النقدية التي يريدها (جرينسبان) والتي تعمل على تخليص الاقتصاد الأمريكي من آثار التوسع المفرط الذي حدث له في السنوات السابقة حتى عام 2000م، وأن هذا الانهيار في القيمة النقدية للأسهم الأمريكية لا يقابله انهيار في الاقتصاد الحقيقي على الأرض باعتبار أن ما يملكه المجتمع الأمريكي من أصول حقيقية في صورة مصانع وعقارات لا تزال باقية كما هي، وأنه عندما تتلاشى آثار الفقاعة المالية فإن الاقتصاد الأمريكي سيعود إلى النمو من جديد.
ورغم وجاهة الرأي الأخير إلا أنني أختلف مع صاحبه في أن الأمور لا تأتي دائماً كما يشتهي بنك الاحتياط الفدرالي، وأنه مهما كان قائد الطائرة ماهراً ومحنكاً وخبيراً فإن قوة العاصفة قد تجبر الطائرة على الهبوط الاضطراري في ظروف غير عادية، إن لم تحطمها بالكامل، والظروف التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي ليست عادية بكل المقاييس، ومن هنا فإنني أميل إلى توقع استمرار التراجع في الاقتصاد الأمريكي لفترة ليست بالقصيرة.
**************
ما جرى مساء الاثنين في غزة من قصف همجي بالصواريخ لمجمع سكني وما نتج عنه من حالات استشهاد وإصابات لعشرات المدنيين من النساء والأطفال في ظل موافقةٍ وتفهمٍ أمريكيين لاحتياجات إسرائيل الأمنية هو بعض من الظروف غير العادية التي يعيشها العالم اليوم بعد انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم، وهو أمرٌ لن يستمر وهو إلى زوال مهما طال الزمن.