يتعرض الاقتصاد الأمريكي هذه الأيام لهزة داخلية عنيفة بسبب أزمة الثقة في الحسابات المالية للشركات الكبرى ، وبعد أن انهارت شركة انرون العملاقة للطاقة ، وانفتح ملف الفساد المالي في شركات اندرسون وورلد كوم وغيرها ، بات المستثمر لا يثق في الأرقام الصادرة عن الشركات الأمريكية ، ومن ثم أصبح يخشى على مدخراته المستثمرة في الأسهم من الضياع ، خاصة بعد أن انخفضت أسعار تلك الاسهم بشدة في عامي 2000 و 2001 ، وبات من المرجح انخفاضها إلى مستويات جديدة في عام 2002.
إن أزمة الثقة التي ضربت الاقتصاد الأمريكي لا تقل في شدتها عن التأثير المدمر والهائل لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وإذا كان الاقتصاد الأمريكي قد دخل في ركود وتهاوت أسعار الاسهم في الربع الثالث من العام الماضي بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن ، فإن السيناريو مرشح للتكرار في الربع الثالث من هذا العام بحيث تؤدي أزمة الثقة إلى تعميق حالة الركود وحدوث تهاوي جديد لأسعار الأسهم .. إن مؤشر داو جونز على سبيل المثال ينخفض هذا اليوم إلى ما دون المستوى 8500 نقطة ، وهو مستوى لم يصله بعد أحداث نيويورك في العام الماضي .. وانخفض الرقم العام لثقة المستهلكين لشهر يوليو في الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى له منذ شهر نوفمبر ، مما يعكس من حالة القلق في الشارع الأمريكي على مستقبل الاقتصاد في الشهور التالية .. وعند كتابة هذه السطور كان مؤشر داو جونز يهبط إلى مستوى 8470 نقطة وهو ما يقل بنسبة 19 بالمائة عن المستوى الذي كان عليه المؤشر في الأول من إبريل الماضي ، في حين خسر مؤشر النازداك في نفس الفترة ما يزيد عن 25% من قيمته المنهارة أصلاً..
هذا الانخفاض الشديد في أسعار الأسهم الأمريكية يعني ببساطة أن حملة الأسهم قد خسروا ما يعادل النسب المشار إليها من مدخراتهم أو أكثر وذلك يدفعهم إلى مراجعة معدلات انفاقهم في الشهور التالية ، وهو ما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة ، ولأن كل شركة أمريكية يكون لها استثمارات في سوق الأسهم ، لذا فإن انخفاض الأسعار يؤدي إلى إحداث تراجع جديد في عوائد تلك الشركات ، ويؤثر ذلك بالتالي على مخططات رجال الأعمال للتوسع ، فيعمق ذلك من تراجع الاقتصاد الأمريكي.
ولأن الاقتصاد الأمريكي اقتصاد مفتوح ، وتتدفق إليه الاستثمارات الأجنبية من كل مكان ، لذا فإن خروج هذه الاستثمارات في الوقت الراهن يزيد من حدة الأزمة التي تشهدها أسواق الأسهم الأمريكية فضلاً عن التأثير السلبي لذلك على سعر صرف الدولار الأمريكي .. وقد تراجع سعر صرف الدولار بأكثر من 12% مقابل اليورو وبنحو 11% مقابل الين الياباني منذ نهاية مارس الماضي فقط.
****** ****** ******
ما يحدث في أسواق المال الأمريكية يؤثر سلباً على المستثمرين القطريين والعرب عموماً وخاصة الذين احتفظوا طيلة الشهور الماضية باستثمارات كبيرة في الأسهم الأمريكية رغم الدعوات المستمرة لمقاطعة الولايات المتحدة اقتصادياً. كما يتضرر المستثمرون في صناديق النماء المرتبطة بمؤشرات الأسهم الأمريكية ، ومؤشرات الأسهم العالمية عموماً التي تعرضها البنوك المحلية وشركات الاستثمار.
وتتضرر القوة الشرائية للريال القطري من جراء انخفاض سعر صرف الدولار نظراً للعلاقة الثابتة للريال بالدولار ، وفي السنوات الماضية التي ارتفع فيها سعر صرف الدولار مقابل الين اليورو ، كان سعر صرف الريال يرتفع أمامهما بنفس النسب ، وقد ساعد ذلك في تراجع معدل التضخم داخل قطر في الاعوام الثلاثة الماضية إلى أدنى مستوى له ، بل إن بعض التقديرات تحدثت عن تراجع في الأسعار أي تضخم سلبي خلال العامين الماضيين. وعندما ينخفض سعر صرف الدولار الآن ، فإن معدل التضخم يعود للارتفاع في قطر بتأثير ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
****** ****** ******
والسؤال الآن هو: إلى أين تسير الأمور في أسواق الأسهم الأمريكية ، وإلى أي مدى يمكن أن تنخفض المؤشرات الرئيسية للأسهم؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في متابعة أخرى بإذنه تعالى.