النفط .. ونبوءة عن سقوط بوش في الإنتخابات القادمة

إذا كان النفط هو المحرك الرئيسي لإدارة الرئيس بوش في حربها القادمة ضد العراق ، فإن من المتوقع الآن أن يكون النفط أحد الأسباب الرئيسية لسقوط بوش الابن في انتخابات عام 2004م مثلما سقط أبوه في انتخابات عام 1992م .. وهذا الكلام ليس عبثياً ولا إنشائياً وإنما هو محصلة لعوامل ومقدمات كثيرة نلخصها في الآتي :
أولاً : أن تباين المصالح النفطية ما بين الولايات المتحدة من ناحية ومصالح بقية الدول الكبرى في العالم – باستثناء بريطانيا – من ناحية أخرى ، هو العامل الحاسم الذي عمل حتى الآن على تأخير قيام الحرب طيلة الشهور الماضية .. فقد أدركت أوروبا بوجه خاص ومعها روسيا والصين أن الحرب القادمة ليست من أجل نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية – كما تزعم الادارة الأمريكية – وأنما هي من أجل الهيمنة على الثروات النفطية الهائلة في العراق .. ولهذا بذلت هذه الدول جهوداً جبارةً من أجل الحيلولة دون تمكين الولايات المتحدة من تشكيل تحالف دولي ضد العراق ، أو من منحها الشرعية الدولية اللازمة لقيام هذه الحرب. وكما قلت في مقال سابق فإن تأخير الحرب يكلف الادارة الأمريكية أموالاً طائلة سواء لجهة استبقاء الحشود مستنفرة والاقتصاد الأمريكي معطلاً ، أو لزيادة تكلفة العمليات العسكرية في الربيع عنها في الشتاء .. وبقدر ما تكون الادارة الأمريكية معزولة في حربها ضد العراق بقدر ما تتحمل بمفردها التكاليف كاملة ، بل ويضاف عليها أموالاً أخرى من أجل ضمان الحصول على تسهيلات لجيوشها من دول أخرى كتركيا. وهكذا فإنه حتى في حال انتصار الأمريكان وسيطرتهم على العراق في حرب خاطفة ، فإنهم سيتكبدون مبالغ ضخمة في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من عجز قياسي في الموازنة العامة وفي الميزان التجاري ، وسيكون لذلك آثار اقتصادية سيئة على آداء الاقتصاد الأمريكي لا يمكن إصلاحها في الزمن المتبقي على الانتخابات الأمريكية.
ثانياً : أن أسعار النفط لن تنخفض بعد الحرب كما حدث في عام 1991م لأكثر من سبب ، منها :
1. أن مخزونات النفط في الولايات المتحدة قد انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ 27 عاماً ، وذلك نتيجة توقف امدادات النفط الفنـزويلية في الشهرين الماضيين.
2. أن انتاج العراق من النفط الذي يزيد عن 2.5 مليون ب / ي سوف يتوقف طيلة العمليات العسكرية ضد العراق ، كما سيتوقف جزئياً إنتاج النفط من حقول الكويت الشمالية. ويزداد الأمر سوءاً إذا أقدم العراقيون على تدمير حقول النفط قبل استيلاء القوات الأمريكية عليها.
3. أن الآلية التي أقرتها دول الأوبك منذ عام 1999م سوف تحول دون انخفاض الأسعار إلى أقل من 22 دولاراً للبرميل ، وذلك عن طريق قيام الدول الأعضاء بخفض الانتاج إذا ما تدهورت الأسعار ، وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً عام 1991م.
وعلى ذلك فإن اندلاع الحرب في العراق سوف يرفع الأسعار بداية إلى أكثر من 40 دولاراً للبرميل ، ولكنها لن تنخفض بعد ذلك إلى أقل من 20 دولاراً للبرميل كما يتوقع البعض قياسا على ما حدث في عام 1991 ، وغالباً ما ستتراوح الأسعار ما بين 25 إلى 30 دولاراً للبرميل في أحسن الأحوال.
وارتفاع أسعار النفط على هذا النحو يؤدي إلى فشل سياسات الرئيس بوش الاقتصادية التي اعتمدها مؤخراً لتنشيط الاقتصاد الأمريكي ، نظراً لأنه يزيد من تكاليف التشغيل ويثقل الميزان التجاري بأعباء إضافية.وعلى ذلك فإن النفط الذي حرك بوش للإستيلاء على العراق هو نفسه الذي سيقضي على مستقبله السياسي ومعه مستقبل توني بلير أيضًاً.