تنبأت في مقال سابق قبل أسابيع قليلة بسقوط الرئيس بوش في الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2004م على ضوء فشل سياسته الاقتصادية واضطراره إلى تغيير الطاقم الاقتصادي في إدارته بعد مرور عامين على تسلمه مقاليد الأمور في البيت الأبيض. ولقد كان واضحاً منذ وقت مبكر أن الاقتصاد الأمريكي قد بدأ في عهد بوش الابن حالة من التراجع قد تستمر لوقت طويل ، وأن عليه لذلك أن يهتم بالحالة الاقتصادية ، وأن يعمل على خلق الأجواء المناسبة لتعريز الثقة في الاقتصاد ، ولتقصير فترة الركود وتقليل مخاطره . إلا أن الرئيس بوش لم يفعل ما يجب عليه فعله ، وأدت سياسته في مجال مكافحة الارهاب إلى حدوث المزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية ، فكان أن تدهورت ثقة المستهلكين داخل الولايات المتحدة الأمريكية إلى أدنى مستوى لها في عشر سنوات ، وارتفع معدل البطالة إلى 6% ، وعادت الموازنة العامة لتحقق عجزاً ضخماً نتيجة زيادة المصروفات العسكرية (بعد أن كانت قد تحولت إلى فائض في فترة حكم الرئيس كلينتون الثانية )، وتنامي العجز في الحساب الجاري الأمريكي إلى مستوى لم يسبق له مثيل وهو 450 بليون دولار في عام 2002م. وهذا التدهور الشديد في الحساب الجاري لميزان المدفوعات ، يعني ببساطة أنه قد بات على الولايات المتحدة أن تقترض ما يعادل 1.5 بليون دولار يومياً لسداد التزاماتها الدولية ، سواء في مجال استيراد السلع أو لتغطية تكاليف الخدمات والتحويلات بما يحافظ على استقرار سعر صرف الدولار. وفي ظل هذه المعطيات تراجع آداء الشركات الأمريكية وانهارت بعض كبرياتها ، وانكشفت للعالم سلسلة من الفضائح المالية والمحاسبية مما ساعد على استمرار التراجع في أسعار الأسهم للسنة الثالثة على التوالي ..
وقد كان من المنطقي أن تؤدي هذه الأمور في مجملها إلى توقع سقوط الرئيس بوش وإلى تقدم الحزب الديمقراطي في انتخابات عام 2004م ، خاصة وأن نجاح الرئيس في ولايته الأولى قد اعتمد على عدد قليل من الأصوات.
وكانت الحرب على الارهاب وعلى مراكز الشر في العالم الوسيلة الوحيدة التي وضع عليها الرئيس بوش آمالاً عريضةً من أجل زيادة شعبيته وشعبية الحزب الجمهوري.وقد أغرى النجاح الذي تحقق في المرحلة الأولى من هذه الحرب ويوجه خاص السيطرة على أفغانستان وهزيمة الطالبان وتشتيت القاعدة إلى إصرار الادارة الأمريكية على غزو العراق لاسقاط الرئيس صدام .. ولم ينتبه الرئيس بوش إلى أن كثيراًَ من العوامل التي ضمنت له النجاح في المرحلة الأولى قد تلاشت ، أو أنها قد تحولت إلى عناصر إحباط أو فشل وفي مقدمة هذه العوامل انهيار التحالف الدولي وغياب غطاء الشرعية التي تمثلها قرارات الأمم المتحدة. ومن هنا يمكن القول إن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على العراق منذ أسبوع سوف تكون وبالاً على الاقتصاد الأمريكي وتكلفة عشرات المليارات من الدولارات. وسيؤدي إطالة أمد الحرب إلى تعميق حالة عدم الثقة التي يعيشها الاقتصاد ، وسنجد أن أسعار الأسهم التي ارتفعت في اليوم الأول لاندلاع المعارك سرعان ما ستعود إلى التراجع ثانية وبقوة ..
ورغم انخفاض معدلات الفائدة على الدولار إلى أدنى مستوى لها في 41 سنة حتى الآن ، إلا أن ذلك لن يشفع في دفع عجلة النمو الاقتصادي المتعثرة ، وستزداد أوضاع البطالة سوءاً وسيجد الرئيس الأمريكي بعد سنة أن نجاحه في إسقاط الرئيس صدام – إن تحقق – قد كلفه الخروج مبكراً من البيت الأبيض.