الموازنة العامة للدولة لعام 2003/2004م هي بالتأكيد أكبر موازنة في تاريخ قطر ، وهي بكل المقاييس موازنة توسعية. وقد اختفت من الموازنة الدعوة إلى التقشف وترشيد الانفاق التي حفلت بها موازنات عديدة على مدى العشرين سنة الماضية ، وحل محلها التوجيه الأميري لحضرة صاحب السمو بضرورة قيام الحكومة ببذل كل الجهود الممكنة للاستمرار في تطوير البنية التحتية وتحسين المناخ الاستثماري والقطاع الخاص وزيادة الانفتاح .. ومن هنا يمكن القول بأن من يقرأ بيان سعادة وزير المالية يكتشف على الفور استناداً إلى التوجيه الأميري المشار إليه ، أن الموازنة لهذا العام هي توسعية في المقام الأول ويتأكد هذا الأمر عند تفحص الأرقام المعتمدة في الموازنة على النحو التالي :
أولاً : إجمالي المصروفات العامة قد قفز إلى 23312 مليون ريال بزيادة 16.4% عن العام 2002/2003م.
ثانياً : أن موازنة المشروعات الرئيسية قد بلغت 6135.7 مليون ريال بزيادة نسبتها 40% عن موازنة العام الحالي. وقد اشتملت جميع بنود هذه الموازنة على زيادات ملحوظة في الانفاق سواء مخصصات التعليم أو الصحة أو الطرق أو المجاري أو الكهرباء والماء أو الاسكان.
ثالثاً : أن مخصصات موازنة المشروعات الرئيسية قد تضمنت لأول مرة منذ ما يزيد على 20 سنة مخصصات كبيرة لاستملاك واستصلاح الأراضي بلغت 1112.5 مليون ريال. وهذا المبلغ الكبير نسبياً يؤدي بعد استكمال صرفه إلى زيادة ملحوظة في السيولة لدى الأفراد فيضغط على البنوك لخفض معدلات فائدة الأقراض.
رابعاً : أن مخصصات الأبواب الأخرى في الموازنة قد توسعت هي الأخرى بشكل ملحوظ ، ذلك أنه عند طرح مخصصات المشروعات الرئيسية من إجمالي الانفاق يتبين لنا أن مخصصات الرواتب والأجور والخدمات والمصروفات الرأسمالية الثانوية قد ارتفعت في مجملها إلى 17158 مليون ريال في الموازنة الجديدة مقارنة ب 15736.5 مليون ريال في موازنة العام الحالي ، أي بزيادة نسبتها 9%. وهذا يقتح الباب نظرياً على الأقل لاحتمال التوسع في الانفاق على الموظفين سواء في صورة تعيينات جديدة أو ترقيات أو علاوات.
خامساً : إذا تصورنا أن الفائض في موازنة الأعوام الثلاثة الماضية قد تم توظيف جزء منها على الأقل كما قال سعادة وزير المالية في سداد جانب من الدين العام ، فإنه من المتوقع لذلك أن تكون المبالغ المخصصة لخدمة الدين العام قد تقلصت كثيراً في موازنة العام الجديد ، خاصةً مع إنخفاض معدلات الفائدة عالمياً إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من 41 سنة.
سادساً : أن الحكومة قد توسعت في الانفاق العام بسند قوي تمثلت عناصره في الآتي :
1. أن أسعار النفط للعام الجديد لن تقل عن 17 دولار للبرميل بعد أن ثبت نجاح الأوبك في الدفاع عن هامش أسعارها .. وهكذا فإنه لأول مرة يرتفع السعر التقديري لسعر النفط إلى 17 دولار للبرميل ، وكان يتراوح في موازنات الأعوام السابقة بين 15 – 16.5 دولار للبرميل.
2. أن إيرادات الغاز المسال قد تزايدت بشكل مضطرد واقترب معدل الانتاج والتصدير مع نهاية عام 2002م إلى مستوى 15 مليون طن سنوياً ، وهو ما يعني حدوث تحسن ملحوظ في الايرادات من الغاز.
3. أن عمليات الخصخصة المرتقبة لجانب من صناعات البتروكيماويات والأسمدة والحديد والصلب هذا العام ستكون كفيلة بتأمين مبالغ مالية ضخمة للحكومة تعينها على الوفاء بإلتزاماتها بالكامل حتى لو انخفضت أسعار النفط دون المستوى المقدر.
4. بإفتراض إنخفاض أسعار النفط عن مستوياتها الحالية إلى مستوى 17 دولار للبرميل كما هو مقدر في الموازنة ، فإن العجز المقدر في الموازنة وهو 1726.1 مليون ريال يظل ضمن المستويات المقبولة عالمياً لأي عجز حكومي ، وهو 3% من الناتج المحلي الاجمالي.
والخلاصة أن موازنة عام 2003/2004م هي أكبر موازنة توسعية في تاريخ قطر ، ويحق لنا جميعاً أن نأمل حدوث قفزة كبيرة في معدلات نمو الاقتصاد القطري للعام الجديد ، وألا يقتصر هذا النمو على القطاع العام فقط ، بل تمتد آثاره إلى كل نواحي الاقتصاد القطري.