نعم الشيخ الغزالي مع العارضين ، وهذا هو الدليل

وزع الدكتور علي السالوس بيانا على الصحف القطرية نشرته يوم الخميس الماضي تحت عناوين مختلفة ونشرته الراية تحت عنوان: تعقيبا على برنامج قضايا وآراء .. اين الحلال واين الحرام .. وقد انتقد الدكتور السالوس البرنامج وقال انه لم يكن موفقاً في اختيار موضوع فوائد البنوك .. وان الحكم في هذا الأمر لا يجب ان يتم عن طريق حوار يشترك فيه العامة والخاصة والعلماء والجهلاء والمختصون وغير المختصين .
وواضح من رد الدكتور السالوس انه يريد ان يقطع الطريق على الاذاعة حتى لا تكمل بحث الموضوع في حلقة ثالثة هذا الأسبوع كما وعد بذلك الأستاذ عبد العزيز محمد ..
والحقيقة ان استمرار مناقشة القضية في وسائل الأعلام المختلفة امر مهم حتى يراجع العالمون علمهم ويعلم الجاهلون ما خفي عليهم من امر حياتهم وليس في ذلك ضرر بل فيه الخير كل الخير لحاضر الامة ومستقبلها . وقد عجبت لأمر اثنين في هذا الزمان .. الأول عالم يرى في مناقشة موضوع الفوائد والبنوك فتنة للاسلام والمسلمين والثاني مثقف يصم اذنية عن الحوار ويتمسك بمقولة ضعها في ذمة عالم واطلع سالم .. فأما الأول فانه كان من الاولى به ان يكون احرصنا على فتح باب المناقشة في هذا الموضوع طالما ظن في نفسه القدرة على مقارعة الحجة بالحجة وصولا الى الحقيقة المجردة وحتى يستقيم الامر على النحو الصحيح ، فليس من المعقول ان تكون الفوائد حرام والبنوك ربوية ونسكت عليها وهي بين ظهرانينا صبحا ومساء وقد كان من المفروض ان يراجع مثل هذا العالم نفسه ويدرس ظاهرة تنامي عدد من البنوك وتكاثر ودائعها وازدهار اعمالها رغم ما يقال في كل مناسبة عن حرمة الفوائد المستمدة من تحريم الربا .. واما المثقف الذي يناى بنفسه عن الخوض في هذا الموضوع فانه لا يرضى الله في ذلك لأن ديننا دين علم ومعرفة ويامرنا ان نجادل وان نناقش وفي قصة موسى عليه السلام مع الرجل الصالح توجيه لنا بعدم قبول الأقوال والأفعال التي تتعارض مع الفطرة السليمة حتى لو جاءت من رجل عالم حتى يتبين لنا القصد منها .. وتروي لنا الايات من 60 الى 82 من سورة الكهف كيف ان موسى عليه السلام لم يطق صبراً او سكوتا وراح يجادل الرجل الصالح على خرقه للسفينة وقتله للغلام واقامته للجدار الأيل للسقوط .. ويحضنا المولى عز وجل ان نسأل اهل الذكر فيما

لا نعلم .. واهل العلم في موضوع الفوائد والبنوك هم الاقتصاديون المسلمون ورجال الدين معا .. وقد انفرد علماء المجمع الفقهي بتحريم الفوائد عام 1965 دون مشاركة فاعلة من اهل الاختصاص الاصليين وهم الاقتصاديون، فجاءت فتواهم مناقضة لما يراه العامة والخاصة من نفع كبير ومصلحة رائجة من وراء البنوك، فكان ان ظلت هذه قائمة سنة بعد أخرى وتزايد عددها واتسع نشاطها على نحو ما يعلم الجميع .
وقد جادل علماء في الفقه والاقتصاد في فتوى المجمع الفقهي لانها لا تتفق مع روح اليسر في ديننا الاسلامي الحنيف ، وقد وجد بعضهم فيما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية واخرون بعض السند، فقد قال ابن تيمية رحمه الله ان كل ما لايتم المعاش الا به فتحريمه حرج وهو منتف شرعاه وقال الامام بن قدامه في المغني ان ما فيه مصلحة من غير ضرر باحد فهو جائزة وقال ابن حزم رحمه الله المفسدة اذا عارضتها مصلحة راجحة قدمت المصلحة والغي اعتبار المفسدة .
ورأي آخرون ان علة تحريم الربا هي ما فيه من ظلم بين حيث كان المرابون يتقاضون ضعف أموالهم او اكثر .. انظر في ذلك قوله تعالى في سورة النساء الآية 159 فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وهذا الظلم مصدره أمور ثلاثة تشرحها الآيتان التاليتان 160 و 161 بانها : صد اليهود عن سبيل الله – واخذهم الربا وقد نهوا عنه – واكلهم اموال الناس بالباطل .. وفي المعاملات البنكية الحديثة ينتفي الظلم وتلتقي مصالح المودعين والمقترضين عند وسيط هو البنك .. فالمودع يحصل من البنك على فائدة محدودة تعوضه عن تناقص القيمة الشرائية للنقود سنة بعد اخرى والمقترض يدفع نسبة اضافية لتغطية مصروفات البنك، وتمكنه من تحقيق بعض الربح لمساهميه .
وقد كان من بين القائلين بعدم حرمة الفوائد اناس على درجة عالية من الفهم والإدراك لابعاد هذه القضية وملابساتها . ومن هؤلاء الأستاذ الدكتور إبراهيم الناصر بمؤسسة النقد العربي السعودي والدكتور معروف الدواليبي مستشار خادم الحرمين الشريفين والشيخ الدكتور عبد المنعم النمر وزير الأوقاف الأسبق بمجهورية مصر العربية والشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الازهر والشيخ الدكتور عبد الله المشد رئيس لجنة الفتوى بالازهر الشريف، والدكتور احمد شلبي استاذ سابق بجامعة قطر والدكتور سعيد النجار من كبار الاقتصاديين في مصر والشيخ الدكتور كامل زغموت مستشار سابق للشئون الاسلامية بدولة قطر وفضيلة الشيخ محمد الغزالي الداعية الاسلامي الكبير رحمه الله .

وقد حاول الدكتور السالوس في مناسبات سابقة ان يقلل من شأن فتاوى العلماء المشار اليهم باعتبار انهم ليسوا من الفقهاء فالدكتور طنطاوي استاذ في التفسير والدكتور شلبي استاذ في التاريخ الاسلامي والدكتور ابراهيم الناصر استاذ في القانون الوضعي والشيخ الغزالي متخصص في شئون الدعوة .
وفي بيانه الاخير اعاد الدكتور السالوس للغزالي مكانته واعتباره كاستاذ جليل وفقيه كبير ولكنه في المقابل حاول ان يشكك فيما قيل عن انضمامه للمعارضين لتحريم الفوائد .. وهذا التشكيك المبنى على تقديم له في كتاب عن الربا لا يفيد في شيء لان الشيخ الغزالي رحمه الله كان في الدوحة لسنوات خلت وقد قال رأيه بصراحة لكل من سأله .. ويجد القارئ مع هذه المقالة تأكيد لهذا القول في القصاصات المرفقة .. والقصاصة الأولى وردت في الاهرام بتاريخ 21/سبتمبر 1989, في الصفحة الاولى ونصها : الغزالي والمشد يؤكدان ان المفتي على صواب بشأن عدم ربوية الفوائد .
وفي عام 1992م عرضت على الشيخ الغزالي بحثا بعنوان تأملات جديدة في موضوع تحريم الفوائد وصنفت الشيخ الغزالي في البحث مع المعارضين للتحريم .. فوافق على ذلك وكتب بخط يده ما تجدونه في القصاصة الثانية وهو : هذا بحث جديد في موضوعه واستدلاله وارى انه جدير بالنظر والبحث، وان كان رأيي ان ما يقع مع البنوك هو عقد مضاربة واذا كان تضمن شرطا مرفوضا لدى الفقهاء فان هذا الشرط لا تاباه معاملات شرعية اخرى مثل ايجار الارض بمال محدد وتضمين الصناع.
واضاف الشيخ الغزالي : وايا ما كان الامر فالبحث مفتوح لوجهات نظر اخرى ولم يغلق عند الفكر الذي يقضي بتحريم المعاملات البنكية في هذا المجال .
وكان الدكتور السالوس قد اطلع على البحث المشار اليه قبل الشيخ الغزالي ورفض التعليق عليه بحجة انني لست فقيها فقلت له انني اقتصادي مسلم وقد فقهت الموضوع باطلاعي على كل ما كتب بشأنه فقال ناصحا : لا تطلع احدا على هذا البحث ولا تنشره فزادني ذلك اصرارا على متابعة الامر مع العلماء والمختصين وقد نشرت منذ شهر رمضان الماضي سبع مقالات شرحت فيها وجهة نظري في الجوانب المختلفة للموضوع وخاصة مفهوم الربا كما ورد في القرآن الكريم والاحاديث النبوية، والجوانب الفقهية والمبررات الاقتصادية التي تسند القول بعدم حرمه الفوائد وقد حاول الدكتور السالوس الالتفاف على ما اثرته من ملاحظات واكتفى بالتعليق على مفهوم الربا الضعف عن تقديم اخر للشيخ الشعراوي الذي لم يقرأ ما كتبته فقال : ومن العجيب ان نرى من يقولون بأن الربا المحرم هو الاضعاف المضاعفة بنص القرأن ولم يفرقوا بين واقع كان سائدا وبين قيد في الحكم وكأنهم لم يقرأوا قول اله تعالي : فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ..
وما قلته في البحث مغاير لذلك تماما وملخصه ان الربا لغة هو الضعف الواحد باعتبار ان يربي الصدقات بمعنى يضاعفها انطلاقا من قوله تعالى وان تك حسنة يضاعفها .. وقلت ان ربا الاضعاف المضاعفة كان سائدا في مرحلة سابقة استمرت حتى زمن غزوة احد وانتهت بنزول الآية 130 من سورة ال عمران .. يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة .
واما ايات التحريم القطعي للربا (الضعف) فقد نزلت في اواخر سورة البقرة الايات 275 –281 وهي قد جاءت في اولئك النفر من ثقيف الذين قالوا صولحنا ان لنا ربانا وكانوا قد دخلوا الاسلام بعد فتح مكة فنزلت فيهم الاية يا ايها الذين امنوا ذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين .. ثم قدم المولى عز وجل الوصفة الالهية لهم ولكل من على شاكلتهم من المرابين للخروج من ورطة الربا وهي لكم رؤوس اموالكم وذلك ليس قيدا في التحريم ولكنه حل لمشكلة تواجه كل مرابي يقرر التوبة .. وهي بذلك لا تقرر شيئا بشأن تحريم الفوائد . والله اعلم ،،