القروض البنكية بين احتياجات التنمية ودعاوى التشكيك

من الاقوال التي رددها بعض المتحدثين في موضوع الفوائد البنكية والبنوك ان المشروعات التي تقترض من البنوك التجارية تتعرض للافلاس وهذا الكلام غير صحيح على اطلاقه ويتنافى مع المنطق ، السليم وما لا يعرفه المرددون لهذا الكلام ان أي مشروع يحتاج الى تضافر مجموعة من العناصر كي ينجح وهذه العناصر هي راس المال الكافي والايدي العاملة المدربة والمواد الخام والطاقة المحركة ووسائل النقل من والى المشروع وتوافر الاسواق والتنظيم الجيد القائم على الخبرة والتكنولوجيا المناسبة وبدون أي من هذه العناصر يصبح المشروع عرضة للخسارة والفشل .. وكثير من المشروعات التي قامت حتى الان في قطر قد اعتمدت في مرحلة البناء والتأسيس او اثناء على القتارض ولو نظرنا الى المشروعات الكبيرة التي تنشر بياناتها لوجدنا انها اعتمدت على البنوك العالمية والوطنية في توفير نحو 70 بالمائة من التكاليف اللازمة لاي منها ومع ذلك نجحت تلك المشروعات واستطاعت تحقيق أرباحاً ضخمة واصبحت تساهم في تنويع مصادر الدخل القومي وتشكل رافدا مهما من روافد الايرادات العامة للدولة لقد بلغت ارباح شركة قطر للاسمدة الكيماوية في عام 1996 نحو 519 مليون ريال ونحو 550 مليون ريال في عام 1995 وفي الفترة ما بين 1980 الى 1995 تجاوزت ارباحها المتراكمة اكثر من الفي مليون ريال وكان ذلك النجاح وراء تنفيذ عدة توسعات للشركة كان اخرها يوم 24 مارس عام 1996 مما جعل شركة قافكو واحدة من اكبر منتجي الأسمدة الكيماوية في منطقة الشرق الأوسط. وما يقال عن قافكو يمكن تكراره بدرجة او باخرى عن شركة قطر للبتروكيماويات قابكو وشركة قطر للحديد والصلب قاسكو ، فهذه الشركات توافرت لها عناصر النجاح فنجحت رغم اعتمادها على القروض والتسهيلات. واليوم تبني قطر مجموعة اخرى من المشروعات الإنمائية بقروض كبيرة تصل الى مليارات الدولارات ومن منا لم يسمع عن مشروعات الغاز الضخمة في رأس لفان التي قال عنها سعادة وزير الطاقة والصناعة انها ستكلف نحو 25 بليون ريال قطري لجهة قطر غاز ورأس غاز فقط ، فضلا عن مشروعات انتاج الميثانول واللدائن البلاستيكية وتحويل الغاز الى وقود سائل وتكرير المكثفات وبناء مجمعات جديدة للايثلين والحديد والصلب ومشروع المطار الجديد ومحطة توليد الكهرباء وتحلية المياه وغيرها الكثير من مشروعات يتم اقامتها بقروض وسندات تمويل وتشارك فيها بنوك محلية وعالمية وبمعدلات فائدة لا تزيد على 9 بالمائة. ان دولة قطر تبني للمستقبل بخطى واثقة ولو تقاعست عن ذلك فانها سوف تتخلف عن اللحاق بركب الحضارة والتطور وتدخل القرن الحادي والعشرين بدون ان تعد لكل شيء عدته.
وما يحدث في قطر يحدث ايضا على امتداد الساحة العربية والاسلامية .. فنسمع كل يوم عن اقامة مشروعات مماثلة في عمان واليمن والامارات والسعودية ومصر وكلها تعتمد على القروض في توفير معظم التمويل اللازم لها ، واذا كانت هنالك بعض المشروعات الفاشلة في عالمنا العربي والاسلامي فان ذلك مرجعه سوء التخطيط واستغلال النفوذ ونهب الثروات اضافة الى عوامل لا يمكن تجاهل أثرها كالحروب ، فقد تعرض الاقتصاد المصري ومن بعده اللبناني والعراقي والايراني الى الدمار والتخلف من جراء الحروب الإقليمية والاهلية..وعندما ارادت مصر ان تعيد بناء مرافقها ومشروعاتها الإنتاجية وجدت نفسها بحاجة الى بلايين جديدة من الدولارات لتنفيذ ذلك كما ان انخفاض قيمة الجنيه المصري امام الدولار والعملات الأجنبية يسبب هذه العوامل وغيرها قد ساعد على تضخم قيمة القروض مقومة بالجنيه مما جعل مصر تسدد أضعاف ما اقترضته ولم يكن ذلك بسبب الفوائد – كما يروج لذلك بعض الناس – المعروف ان قيمة الجنيه المصري حتى عام 1973 كانت في حدود 73 قرشا للدولار الواحد وهي قد تدهورت بعد الحرب وسنوات الانفتاح ووصلت مع نهاية الثمانينات الى مستوى 32ر3 جنيه للدولار قبل ان تتمكن وزارة الدكتور عاطف صدقي من تثبيته عند هذا المستوى بفضل سياسات نقدية مدروسة كان من بينها رفع سعر الفائدة على الجنيه بما يتناسب مع معدل التضخم في مصر. وفي قطر تبذل الحكومة كل ما تستطيع من جهد لتنشيط القطاع الخاص وهي لذلك قد انشأت بنكا للتنمية الصناعية ليقدم القروض الميسرة بفوائد محدودة لا تزيد على نصف المعدل السائد في السوق لكل من لديه مشروع إنتاجي مدروس. الجدير بالذكر ان البنك قد تأسس برأسمال مشترك بين الحكومة والبنوك الوطنية وشركات التأمين وبعض الشركات الاخرى .. كما قامت الحكومة بانشاء سوق الدوحة للاوراق المالية للمساعدة في تفعيل القطاع الخاص عن طريق تسهيل انشاء الشركات المساهمة والمساعدة في توفير التمويل اللازم لتلك الشركات باصدار الأسهم والسندات المالية .
ومن هنا فان القول الذي يردده البعض عن اللعنة التي تصيب المقترضين فتجعلهم يفلسون امر مرفوض ويتعارض مع الفكر المستنير الذي ينادي به الدين الاسلامي الحنيف والذي تحرص الحكومة القطرية الرشيدة على توفير كل اسباب الرواج له.
ولقد ساهم برنامج قضايا وآراء على مدى ثلاث حلقات كاملة في اتاحة الفرصة للتفاعل الاراء ووجهات النظر في موضوع الفوائد والبنوك وتمكن الناس من الاستماع الى الرأي الآخر في هذا الموضوع الهام ووجدوا لدى اصحاب الاختصاص من الاقتصاديين والفقهاء حججاً قوية بشأن عدم حرمة الفوائد وكان اللقاء الاخير مع الدكتور محمد شوقي الفنجري استاذ الاقتصاد الاسلامي واحد كبار العلماء الذين اخذت المجامع الفقهية برايهم ان الفوائد ليست حراما وان معاملات البنوك حلال ولا علاقة لها بالربا المحرم في القران . وتظل هنالك بعض الملاحظات اقدمها لبرنامج قضايا واراء كي يواصل رسالته التنويرية وهي :
1. انه يجب ان يختار ضيوفه بعناية وان يستمع الى وجهة نظرهم قبل ان يضعهم على الهواء ..فذلك المسئول في البنك الكويتي لم يكن الا عامل تعطيل لوقت البرنامج ولم يكن لديه فكرة او راي يضيفه في حين ان ضيوفا اخرين كانت لديهم القدرة على المناقشة واعطاء الرأي والاسهام في موضوع الحلقة بشكل جيد .
2. ان البرنامج يكون سخياً مع ضيوفه الاوائل ويعطيهم فترات طويلة بدون مقاطعة ثم يبخل على الذين يأتون في المؤخرة فلا يعطيهم الفرصة للتعبير عن ارائهم الا لدقائق معدودة.
3. ان من الافضل عدم تعطيل وقت البرنامج باسئلة مكررة او غير ذي بال من جانب بعض المستمعين ومن الافضل تسجيل الاسئلة ثم وضعها على الهواء بواسطة المخرج اذا كان فيها ما يفيد او يضيف الى السياق العام للحلقة.
انني اهيب باصحاب الفضيلة العلماء وفي مقدمتهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله ان يفسحوا صدورهم للمناقشة في هذا الموضوع الهام وان يتنادوا الى عقد مؤتمر موسع لاصحاب الفكر والراي الاقتصاديين والفقهاء والقانونيين لمناقشة هذا الموضوع على ضوء ما حدث فيه من تطور خلال السنوات الخمس عشرة الماضية سواء لجهة انشاء بنوك اسلامية وما حققته من تطور او بعد حدوث تحول في اراء العلماء الافاضل امثال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الازهر وصاحب الفضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله والاساتذة الدكتور محمد شوقي الفنجري والدكتور احمد شلبي والدكتور معروف الدواليبي وغيرهم كثيرون.
ان تكفير أصحاب الراي الاخر من فوق المنابر لن يحل المشاكل ولكن الحوار في القاعات المغلقة ومقارعة الحجة بالحجة على اسس علمية هو وحده الكفيل بحل المسائل العالقة.
ان اليهود الذين اسسوا البنوك قد سادوا العالم اليوم بفضل سيطرتهم المالية على تلك المؤسسات الهامة في اكبر الدول الصناعية ولو كانت تلك المؤسسات ربوية لافتقرت تلك الدول واصابها ما اصاب العالم الثالث من تخلف ولكنها بالبنوك تقدمت وتطورت فهل نظل بعيدين عن امتلاك ادوات القوة في العصر الحديث ؟