هل عدنا لتجاوز كل الخطوط الحمراء؟؟

هل عدنا لتجاوز الخطوط الحمراء؟؟

مثلما تجاوزنا كل الخطوط الحمراء في اندفاع السوق إلى أعلى في عام 2005، فإننا نكرر ذات الأمر في تراجع الأسعار في عام 2006، والسبب في تقديري واحد في الحالتين وهو عدم ثقة المتعاملين بجدوى التحليل المالي أو دلالة ما تشير إليه مؤشرات السوق من معاني. فالذين كانوا يقبلون على الشراء بشدة في أغسطس وسبتمبر من عام 2005، ويرفعون الأسعار بالتالي إلى أعلى المستويات لم يدركوا يومها أن قراراتهم خاطئة ومخالفة لقواعد السوق، وأن ما توحي به الصورة العامة للاقتصاد القطري من متانة وقوة في مجملها ليست مبرراً لبقاء الاتجاه الصعودي في الأسعار إلى ما لا نهاية. والذين يبيعون أسهمهم اليوم خوفاً من المجهول أو طمعاً في إعادة شرائها عند مستويات أدنى إنما هم قد يجازفون بتحقيق الخسارة إذا ما فاتهم قطار السوق قبل أن يلحقوا به ثانية وذلك عندما تعود الأسعار، وهي لا بد عائدة في القريب رغم تأخرها بمنطق اشتدي يا أزمة تنفرجي.

لقد كنت أظن في الأسبوع الماضي أننا اقتربنا من القاع، وأنه عند هكذا مستوى يصبح المزيد من الغوص مخاطرة غير محسوبة العواقب، وأن المتعاملين سيميليون إلى التمسك بأسهمهم في انتظار الفرج. وقد شاركني هذا الرأي الكثير من المحللين الذين لم يبنوا رأيهم على مجرد العاطفة والرغبة في عودة الأمور إلى نصابها، وإنما انطلقنا جميعاً من فهمنا لما وصلت إليه المؤشرات المالية في سوق الدوحة للأوراق المالية من مستويات معقولة وجذابة للاستثمار في بلد يُعَّد حقيقة من أسرع البلدان تحقيقاً للنمو الاقتصادي في السنوات الخمس الماضية.

وعندما كتبت في الأسبوع الماضي متسائلاً عما إذا كانت الكرة المتدحرجة قد اقتربت من القاع، كان ظني أنه ربما كان هناك مجال لمزيد من الانخفاض في جعبة السوق، ولكنني لم أكن أتصور أبداً أن تتوتر الأجواء بهذه السرعة، وأن تزداد حُمى البيع بحيث يخسر المؤشر أكثر من مائتي نقطة في يومين مما جعله يهبط دون المستوى الذي كان عنده مع بداية عام 2005.

لقد مرت بنا في العشرين سنة الماضية تجارب أسواق أخرى عديدة هبطت فيها الأسعار والمؤشرات بشدة إلى نصف ما كانت عليه أو أكثر، ولكنها عادت إلى الإرتفاع ثانية وربما تجاوز بعضها ما كانت قد وصلت إليه في السابق. ولننظر في ذلك ما حدث يوم الإثنين الأسود في نيويورك في أكتوبر عام 1987 عندما انهارت الأسعار بقوة في ذلك اليوم والأيام التالية بحيث انخفضت المؤشرات في تلك الفترة إلى نصف مستوياتها العالية في الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن الأسعار عادت إلى الإرتفاع بقوة في السنوات التالية، وتكرر الأمر ذاته في عام 2001 حيث انخفض مؤشر داو جونز من قرابة 11700 نقطة إلى ما يزيد قليلاً عن 7000 نقطة، قبل أن يعود إلى الارتفاع ثانية، وهو اليوم عند مستوى يزيد عن 12000 نقطة. وفي قطر انخفض مؤشر سوق الدوحة للأوراق المالية إلى نحو 1600 نقطة في بداية عام 2002، أي إلى نصف ما كان عليه المؤشر عام 2000، وذلك قبل أن يعاود انطلاقته إلى قرابة 4000 نقطة مع نهاية ذلك العام ثم يستمر في الارتفاع 3 سنوات وصل معها إلى 12750 نقطة في سبتمبر 2005.

وإذن فالتاريخ يؤكد لنا أن أسواق الأسهم لا تستمر في الانخفاض إلى ما لانهاية وأنه في بلد مثل قطر يتمتع بقدر كبير من الأمان والاستقرار السياسي، والرخاء الاقتصادي، ويحقق معدلات كبيرة للنمو، فإن الأجواء تبدو إيجابية للغاية لحدوث موجة ارتفاعات جديدة في الأسعار تُعيد الأمور إلى نصابها.

ومن هنا فإنني أتمنى على المتعاملين أن لا يسرفوا في البيع في هذه المرحلة لأن في ذلك قسوة غير محتملة على أنفسهم وعلى القابضين على أسهمهم ، أو على أولئك الذين قد تضطرهم الظروف للبيع. وفي يقيني أننا بحاجة إلى مراجعة أنفسنا فبل اتخاذ أي قرار قد نندم عليه، ولا بد أن يكون لدينا بقية من الثقة في سوقنا المالي الذي يُدرك الجميع أنه مرآة لاقتصاد هذا البلد العزيز.

ودائماً يظل ما أكتب رأياً شخصياً يحتمل الصواب والخطأ، والله من وراء القصد.