الاستثمار في الأسهم القطرية

محاضرة بعنوان

الاستثمار في الأسهم القطرية

بقلم:
بشير يوسف الكحلوت
كاتب و خبير اقتصادي

قاعة ابن خلدون
جامعة قطر

21/12/2003
الساعة السابعة مساءاً

تمهــيد

حتى منتصف عام 2001 لم تكن سوق الدوحة للأوراق المالية تحظى إلا بالقليل من الاهتمام من المستثمرين، ويشهد على ذلك حجم التداول الذي لم يتجاوز في عام 2000 أكثر من 868 مليون ريال.وما بين صيف عام 2001 و 2003 تغيرت المعطيات بالكامل وأضحت السوق محل اهتمام شريحة واسعة من الناس داخل قطر وخارجها، وباتت وسائل الإعلام المختلفة خارج قطر تفرد لفعاليات سوق الدوحة حيزاً مهماً من صفحاتها ونشراتها وبرامجها. وبالطبع لم يأت هذا التغير من فراغ وإنما كان نتيجة طبيعية للتطور الكبير الذي طرأ على نواحي الحياة الاقتصادية في قطر.
ونحاول في هذه الندوة أن نقدم صورتين للاستثمار في الأسهم القطرية، الأولى صورة كلية نرصد فيها بالأرقام حجم التطور الذي شهدته سوق الدوحة للأوراق المالية في عام 2003، ونعرض في الثانية صورة جزئية لأسعار أسهم الشركات المساهمة على ضوء ما حققته الشركات من أرباح.

أولاً الصورة الكلية لواقع السوق:
تشير البيانات الصادرة عن سوق الدوحة للأوراق المالية إلى أن معطيات السوق قد تغيرت في عام 2003 بشكل جذري على النحو التالي:
1- إن الأسهم المتداولة في السوق قد تضاعفت مرتين إلى أكثر من 210 مليون سهم مقارنة بـ79.6 مليون سهم في عام 2002، وأن قيمة الأسهم المتداولة قد تضاعفت هي الأخرى عدة مرات إلى أكثر من 13 مليار ريال مقارنة بـ 3.2 مليار ريال في عام 2002.
2- إن مؤشر السوق الدال على مستويات الأسعار فيه، قد ارتفع في عام 2003 إلى 4000 نقطة بزيادة نسبتها، 73% عن عام 2002، مع العلم أن المؤشر كان قد زاد بنسبة 37.2% في عام 2002 وزاد بمثلها أي 37.3 % في عام 2001، وذلك بعد انخفاض بنسبة 8% في عام 2000 وبأقل من واحد بالمائة عام 1999. وعلى ذلك كان المؤشر في حالة ازدياد مضطرد لثلاث أعوام خلت بعد تراجع لمدة عامين.
3- إن القيمة الرأسمالية للأسهم ( أي القيمة السوقية لجميع أسهم الشركات المدرجة في السوق) قد تضاعفت هي الأخرى مرتين إلى أكثر من مائة مليار ريال مقارنة بـ38.5 مليار في عام 2002.
ولكي نفهم مسوغات ومبررات هذه الطفرة الكبيرة في أرقام السوق ومعطياته، لا بد أن نشير في عجالة إلى بعض الأرقام التي تعكس واقع الاقتصاد القطري في هذه الفترة من الزمن ، ومنها، دون أن نطيل عليكم؛ أرقام الناتج المحلي القطري والموازنة العامة للدولة وحجم السيولة المحلية .

1- نلاحظ أولاً أن الناتج المحلي الإجمالي قد نما في عام 2003 بالأسعار الجارية بنسبة 7.9% ليصل إلى نحو 70 مليار ريال، مقارنة بمعدل نمو 0.8% فقط في عام 2002، وذلك حسب أحدث البيانات الصادرة عن مجلس التخطيط.
2- أن الموازنة العامة للدولة في سبيلها هذا العام إلى تحقيق فائض مالي للسنة الرابعة على التوالي، وذلك يتزامن مع زيادة مضطردة في حجم المصروفات العامة بوجه عام وفي بند المشروعات الرئيسية بوجه خاص، جدول رقم(1). وللمقارنة، فإن السنوات السابقة التي كانت فيها الموازنة العامة في حالة عجز، وكانت المصروفات العامة تنخفض تطبيقاً لسياسة شد الأحزمة، نجد أن السوق كانت في حالة تراجع، وذلك ما حدث عام 1999 وإلى حد ما في عام 2000.
3- إن السيولة المحلية ممثلة بعرض النقد الواسع م2 قد زادت بنسبة 14% ما بين نهاية ديسمبر 2002 ونهاية سبتمبر 2003، وأن عرض النقد الأول م1 ( وهو النقد لدى الجمهور والودائع تحت الطلب لدى البنوك) قد زاد في نفس الفترة بنسبة 70% وهي نسبة مرتفعة، ومن الواضح أن جزء هام من هذه الزيادة قد جاء من الخارج.
وإذا أردنا أن نوجز العوامل الحقيقية التي أدت إلى هذا الواقع الاقتصادي المزدهر، ومن ثم إلى حدوث الانتعاش القوي في سوق الأسهم المحلية، فإننا نشير إلى ثلاثة عوامل أساسية وعامل رابع إضافي،وهذه العوامل هي:
أ‌- ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأربع الماضية نتيجة عوامل مختلفة واستمرارها إلى الآن حول مستوى 30 دولار للبرميل، نتيجة لغياب نحو نصف النفط العراقي عن الأسواق. وكلما ظلت أسعار النفط فوق مستوى 20 دولار للبرميل فإن ذلك يضمن استمرار الموازنة العامة للدولة في حالة فائض، طالما أن وزارة المالية تقدر الإيرادات النفطية استناداً إلى سعر يتراوح ما بين 16-17 دولار للبرميل.
ب‌- انخفاض معدلات الفائدة على الريال القطري إلى أدنى مستوى بعد أن وصلت المعدلات على الدولار إلى أدنى مستوى لها في نحو 50 سنة. والمعروف أن معدلات الفائدة المنخفضة تدفع رجال الأعمال إلى تنفيذ مشروعات جديدة أو التوسع في مشروعات قائمة، كما أنها تدفع أصحاب الودائع إلى التعامل في سوق الأسهم بحثاً عن عائد أفضل.
ت‌- ارتفاع أرباح الشركات القطرية بشكل مضطرد في الأعوام الثلاثة الأخيرة وبوجه خاص في عام 2003 نتيجة لارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي وانخفاض معدلات الفائدة على الريال، وتوسع أنشطة الشركات، الجدول(2).
ويضاف إلى ما تقدم، عامل إضافي رابع هو طرح أسهم صناعات قطر للاكتتاب بسعر منخفض يعادل رُبع القيمة الحقيقية للسهم، وهو ما أُعتبر بحق مكرمة من حضرة صاحب السمو الأمير المفدى. والواقع أن هذه الخطوة الموفقة قد عززت ثقة المواطن في أسهم الشركات القطرية، وأعطت الجهود الرامية إلى إشراك القطاع الخاص في عملية التنمية دفعة كبيرة إلى الأمام، والدليل على ذلك الإقبال المنقطع النظير على الاكتتاب في أسهم هذه الشركة وما تلاه من اكتتابات، وانتظار الناس بلهفة لما سُيطرح في السوق الأولية من أسهم جديدة وخاصة أسهم الصناعات المتوسطة.
جدول رقم (1)
تطور الميزانية العامة للدولة بالمليون ريال

2003/2004* 2002/2003 2001/2002 2000/2001
29155 26636 22755 23428 إجمالي الإيرادات العامة
6154 4328 3121 2043 نفقات المشروعات الرئيسية
23312 22516 20504 18294 إجمالي النفقات العامة
5843 4120 2251 5134 الفائض أو (العجز)
المصدر: النشرة الفصلية لمصرف قطر المركزي، سبتمبر 2003.

جدول رقم (2)
تطور أرباح الشركات المساهمة بالمليون ريال وأسعار الأسهم بالريال

الشركة 2000 2001 2002 2003 03/02 1/1/03 21/12 %

بنك قطر الوطني 491.03 527.3 580.2 620 6.9% 83 130.2 56.9
البنك التجاري 52.24 101.1 158.8 260 63.7% 77 155 101.3
بنك الدوحة 64.94 70.7 121.0 240 98.3% 85 168.9 98.7
البنك الأهلي – 101.81 0.00 64.2 90 40.2% 36 80 122.2
مصرف قطر الإسلامي 39.50 67.1 100.9 160 58.6% 44 104.6 137.7
الدولي الإسلامي 34.03 41.7 50.6 70 38.3% 63 124.2 97.1
التأمين الإسلامية 3.65 2.1 3.7 11 197% 43 124.6 189.8
الخليج للتأمين 10.93 7.8 9.6 14 45.8% 50 75 50
الدوحة للتأمين 0.00 8.6 7.0 10 42.9% 24.5 41 67.3
القطرية العامة للتأمين 6.56 10.8 36.2 100 176.2% 92 175.5 90.8
قطر للتأمين 65.52 70.3 80.7 97 20.3% 85 105 23.5
الإسمنت 79.22 112.7 110.5 148 33.9% 133 170 27.8
الصناعات التحويلية 22.30 24.4 41.1 51 24.4% 32 43.1 34.7
الصناعات الطبية 0.00 2.0 0.4 1.6 21.5 32.4 50.7
المتحدة للتنمية 0.00 0 0 12 30 30.7 2.3
المطاحن 6.74 8.4 10.7 8.0 -25.2% 27.1 29.3 8.1
صناعات قطر 0.00 0 0 1140 62.4
المستشفى الأهلي 1.83 0.3 -1.9 -1.5 25 38.5 54
السلام للاستثمار 1.74 1.3 19.6 22 12.2% 12 9.95 -17.1
السينما 3.81 3.5 3.8 4.8 26.3% 33 40 21.2
العقارية 42.79 46.2 45.4 49 7.9% 29 39 34.5
الملاحة 115.29 117.3 127.4 160 25.6% 95 125 31.6
النقل البحري 72.15 103.1 80.9 190 134.9% 26 65.1 150.3
وقود 0.00 0 0 10.0 28.3 43.4 53.4
كيوتل 724.52 863.1 956.2 1185 23.9% 109 158.4 45.3
الكهرباء والماء 273.41 268.7 272 416 52.9% 30.4 48.1 58.2
الفحص الفني 0.00 0 0 2.1 57 87.6 53.7
الإجمالي 2011.8 2454.9 2883.4 5070 75.8% ** ** **

صورة جزئية لأسعار أسهم الشركات القطرية:
بالعودة ثانية إلى الجدول رقم (2)، نجد قائمة بأسعار أسهم الشركات المساهمة كما كانت علية عند الإقفال يوم الخميس الماضي مع مقارنتها بالأسعار المناظرة لها عند نهاية عام 2002، ويتضح من المقارنة مايلي:
1- أنه باستثناء شركة واحدة هي السلام للاستثمار فإن جميع أسعار أسهم الشركات الأخرى قد ارتفعت بدرجات مختلفة.
2- إن شركة التأمين الإسلامية قد سجلت أعلى نسبة ارتفاع بلغت 189% حيث قفز السعر من 43 ريالاً مع بداية السنة إلى 124.6 ريال يوم الخميس الماضي. وجاءت شركة النقل البحري في المركز الثاني حيث ارتفع سعر سهمها بنسبة 150.3% إلى 65.1 ريال.
3- إن أسهم قطاع البنوك قد سجلت أعلى نسب زيادة، حيث ارتفع سعر سهم المصرف بنسبة 137.7% والبنك الأهلي بنسبة 122.2% والتجاري بنسبة 101.3% والدوحة بنسبة 98.7%، والدولي بنسبة 97.1%، والوطني بنسبة 56.9%.
4- إنه لوقارنا نسب التغير في الأسعار مع نسب الزيادة في الأرباح لوجدنا أن بعض الشركات قد زادت أسعارها بما يتناسب مع الزيادة في أرباحها، ومن ذلك بنك الدوحة والتأمين الإسلامية وقطر للتأمين والكهرباء والماء. وأن هناك عدد لا بأس به من الشركات التي ارتفعت أسعار أسهمها بأكثر من الزيادة في أرباحها، ومن ذلك بنك قطر الوطني والبنك التجاري والبنك الأهلي والمصرف الإسلامي والدولي الإسلامي والعقارية،والنقل البحري و كيوتل ووقود والفحص الفني.وهناك في المقابل شركات ارتفعت أسعار أسهمها بأقل من الزيادة في أرباحها ومن ذلك شركة السلام للاستثمار التي زادت أرباحها وانخفض سعرها، وكذلك القطرية العامة للتأمين التي رغم أن سعرها ارتفع كثيراً في الآونة الأخيرة إلا أن الزيادة في الأرباح كانت أكبر.
هذه الملاحظات مجتمعةً تقودنا إلى حقيقة مفادها أن أرباح الشركات لها تأثير مهم على أسعار الأسهم ولكنه ليس التأثير الوحيد، إذ يهتم المستثمرون في العادة بمعرفة مصدر هذه الأرباح أي ما إذا كانت من عمليات الشركة المعتادة أم من بيع أصل من الأصول أو من استرداد أموال كانت في عداد الأموال المعدومة.كما يهتم المستثمرون بمصير الأرباح المحققة، بمعنى هل سيستقطع منها مخصصات أو احتياطيات إضافية أو يحتجز منها مبالغ لدفع أقساط القروض أو لتمويل عمليات توسع مستقبلية؟ ومن الأمور المهمة جداً في هذا السياق معرفة حجم رأسمال الشركة ونسبة الأرباح المحققة إلى رأس المال وكيفية توزيع الأرباح، وبوجه خاص ما إذا كانت هناك نية لتوزيع أسهم مجانية أم لا.(بالمناسبة، تقدم سوق الدوحة للأوراق المالية في موقعها على الإنترنت تقارير مختلفة تساعد المهتمين في متابعة التطورات الخاصة بالشركات . ومن بين التقارير الهامة التي تقدمها السوق هناك تقرير إحصائي بعنوان دليل المستثمر يشتمل على بيانات وافية عن تطور أرباح كل شركة في ثلاث سنوات وكذلك رأس المال وعدد الأسهم والنسب المالية المختلفة، ويجري حالياً الإعداد لإصدار أول مجلة فصلية تعني بشئون السوق).
وعلى ضوء الملاحظات التي أشرت إليها يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1-إن سعر سهم بنك قطر الوطني قد ارتفع ولكن بدرجة أقل من أسعار أسهم البنوك الأخرى نظراً لانخفاض نسبة الزيادة في الأرباح من ناحية، ومحدودية فرص توزيع أسهم مجانية لضخامة رأس مال البنك الذي يصل إلى 1038 مليون ريال.
2- إن أسعار أسهم بنك الدوحة والبنك التجاري والدولي والتأمين الإسلامية والقطرية العامة للتأمين قد ارتفعت بشدة لوجود ما يُعتقد أنه خطط لتوزيع أسهم مجانية، فضلاً عن الزيادة الكبيرة في الأرباح من النشاط المعتاد ومن مصادر أخرى كالاستثمار.
3- إن أسعار أسهم شركات أخرى غير متوقع أن يحدث لها قفزات بسبب الطابع الروتيني لأنشطتها وبالتالي معدلات النمو في أرباحها مثل الصناعات التحويلية وكيوتيل والملاحة ووقود.
4- إن الشركات ذات الرأسمال الضخم مثل صناعات قطر والمتحدة للتنمية والنقل البحري والكهرباءوالماء وكيوتيل، يصعب فيها تصور حدوث زيادات في رأس المال عن طريق منح أسهم مجانية، ولو حدث ذلك مرة، فإنه لا يتكرر إلا كل عدد غير قليل من السنوات.

ماذا عن الشهور الأولى من عام 2004:
في رأيي الشخصي إن هناك عوامل كثيرة تدفع الأسعار إلى الانخفاض في الشهور القادمة، مما يستوجب أخذ الحيطة والحذر وهذه العوامل هي:
1- إن فترة توزيع الأرباح يعقبها في العادة انخفاض في أسعار الأسهم وخاصة في الشركات التي توزع أسهم مجانية.
2- إن الأسعار قد بلغت مستويات مرتفعة جداً بعد ثلاث سنوات من الارتفاع المتواصل، مما قد يستوجب انخفاضاً تصحيحياً تحتاجه السوق حتى لا تحدث هزات في المستقبل.
3- إن كثرة عدد الشركات التي تستعد لطرح أسهمها للاكتتاب في عام 2004 ومنها شركة الصناعات المتوسطة سوف يعمل على امتصاص السيولة الزائدة من السوق، ويقلل بالتالي من حجم الطلب على المضاربة في الأسهم.
4- إن انتعاش الأسواق العالمية وتوقع ارتفاع معدلات الفائدة سوف يستنفد جانباً من السيولة المتاحة حالياً للاستثمار في الأسهم.
5- إن اهتمام الحكومة القطرية بموضوع تطوير السوق قد يؤدي إلى وضع ضوابط على آليات التداول وعلى حركة الأسعار وإلى تعديل القوانين المنظمة للشركات المساهمة بما يمنع حدوث القفزات الكبيرة في الأسعار كما يحدث حالياً.
هذه العوامل المشار إليها تدفع باتجاه خفض الأسعار في مدة تتراوح ما بين 3-4 شهور قبل أن تعود للارتفاع ثانية.وهناك مع ذلك عوامل تعمل باتجاه بقاء الأسعار مرتفعة نسبياً منها أن معدلات الفائدة على الريال ستظل منخفضاً حتى لو ارتفعت إلى 2% أو أكثر، وأن استمرار المستويات المرتفعة لأسعار النفط سُيبقي العوائد المالية للدولة مرتفعة، وبالتالي تستمر الزيادة في الإنفاق الحكومي. وهذان العاملان قد يقللان من حدة تراجع الأسعار ولكنهما لن يحولا دون حدوث تراجع تصحيحي.
.