كنت قد كتبت هذا الأسبوع مقالاً مطولاً عن ملامح الاقتصاد القطري عام 2012، وقد كان القصد من ذلك محاولة ترجمة ما تم الاتفاق عليه حتى الآن من مشروعات لتصدير الغاز وفق عقود طويلة الأجل على بُنية الاقتصاد القطري وعلى مجاميعه الاقتصادية الكلية كالناتج المحلي الإجمالي والصادرات والواردات وميزان المدفوعات والمالية العامة وغيرها. وكان الهدف من ذلك بيان إيجابيات هذه الإنجازات وتسليط الضوء على ما قد يلحق بها من سلبيات والتأكيد على الحاجة لإجراء دراسة تفصيلية عن الموضوع للبحث في أفضل استراتيجية للنمو في قطر من منظور اقتصادي شامل. وقد سألني أكثر من قارئ عن الملامح الاقتصادية للعام الحالي 2004، فقلت إن ذلك يعتمد على عدة عوامل رئيسية أذكرها تباعاً على النحو التالي:
أولاً: ما يحدث في قطاع النفط لجهة الأسعار وكميات النفط المنتجة.
ثانياً: الزيادة التي ستطرأ على إنتاج قطر من الغاز المسال ومن المكثفات.
ثالثاً:حجم الإنفاق في الموازنة العامة للدولة للعام 2004/2005م.
رابعاً:ما سيطرأ على السياسة النقدية لمصرف قطر المركزي من تبدل أو تحول.
خامساً:مدى التوسع في إنشاء شركات مساهمة جديدة.
وفيما يتعلق بأسعار النفط نجد أنها الآن عند أعلى مستوى لها منذ عشر شهور بتأثير موجة البرد القارص في الولايات المتحدة هذا الشتاء، مع انخفاض مخزون النفط التجاري الأمريكي إلى أدنى مستوى له في 27 سنة، وزيادة الطلب العالمي على النفط بتأثير التحسن الملموس الذي طرأ في النصف الثاني من عام 2003م على النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة واليابان وفي الربع الأخير من العام في أوروبا. ورغم أن دول الأوبك قد تجاوزت سقفها الإنتاجي البالغ 24.5 مليون برميل يومياً بأكثر من 1.6 مليون برميل يومياً في شهر ديسمبر، إلا إن ذلك لم يكن كافياً لتهدئة مخاوف المستهلكين. وقد يُعزى ذلك إلى استمرار المستوى المنخفض لإنتاج النفط العراقي نسبة لما كان عليه الحال قبل الاحتلال الأمريكي، وبسبب رفض دول الأوبك زيادة سقف إنتاجها لمحدودية الطاقات الإنتاجية الفائضة لدى معظم أعضائها. وعلى ذلك فإن من المتوقع أن تظل أسعار النفط مرتفعة في عام 2004م، وأن تتراوح ما بين 32 دولار كحد أعلى إلى 25 دولار للبرميل كحد أدنى لسلة خامات الأوبك، وذلك ما لم يطرأ انقطاع مفاجئ ومؤثر على إمدادات النفط العالمية. وقياساً على ذلك فإن متوسط سعر نفط قطر البري في عام 2004م سيكون مماثلاً لما كان عليه في عام 2003م وهو 28 دولار للبرميل تقريباً. ومن غير المنتظر أن يطرأ تغير كبير على مستوى إنتاج قطر من النفط، وسيظل حول مستوى 700 ألف برميل يومياً تقريباً.
وفيما يتعلق بصادرات الغاز المسال؛ نجد أنها مرشحة للزيادة هذا العام من مستواها الذي يقل قليلاً عن 15 مليون طن سنوياً إلى ما يزيد عن 17 مليون طن بعد البدء في تصدير الغاز المسال للهند مع نهاية هذا الشهر. وبذلك من المتوقع أن يرتفع ناتج قطاع النفط والغاز إلى نحو 44 مليار ريال هذا العام بتأثير الزيادة المنتظرة في كميات الغاز المسال المنتجة.
وإذا كان ناتج قطاع النفط والغاز مرشح للزيادة، فإنه سيكون لذلك انعكاسات إيجابية على الناتج المحلي الإجمالي وعلى المالية العامة للدولة وعلى ميزان المدفوعات. فمن ناحية قد يصل الناتج المحلي الإجمالي لعام 2004م إلى مستوى 75 مليار ريال بزيادة نسبتها 6% بالأسعار الجارية. ومن جهة أخرى ستحقق الموازنة العامة للدولة فائضاً للعام الخامس على التوالي وبما قد يزيد عن 7 مليار ريال. ونكمل في مقال تالٍ بحول الله ومشيئته مناقشة بقية العوامل المؤثرة والمحددة لملامح الاقتصاد القطري في عام 2004م.