إذا كان التطور في أي منحى من نواحي الحياة يقاس بالأرقام، فإن الزيادة الهائلة التي طرأت على حجم التداول في سوق الدوحة للأوراق المالية تعكس بوضوح مقدار ما أصابته السوق من تطور في سنواتها المحدودة التي لم تتجاوز السبع سنوات.فقد تضاعف عدد الأسهم المتداولة وتضاعفت قيمتها عدة مرات في العامين الأخيرين فقط. وقد كان جانباً مهماً من هذه الزيادة نتيجة للتوسع الأفقي في عدد الشركات التي تم تداول أسهمها في السوق من 20 شركة فقط عام 1998 إلى 28 شركة في عام 2003. كماكان لارتفاع أسعار أسهم كافة الشركات تأثير آخر لا يقل أهمية عن السبب الأول، ويعكس هذه الحقيقة بجلاء أن مؤشر السوق قد تضاعف من نحو1351.3 نقطة مع نهاية عام 1998 إلى ما يقارب الـ4000 نقطة في الآونة الأخيرة. وكان لزيادة الوعي بين المواطنين لأهمية التعامل في الأسهم المحلية ، وخاصة بعد طرح أسهم صناعات هذا العام، وما استتبعه من عودة جانب مهم من الأموال القطرية المهاجرة إلى الوطن، تأثير معزز لحجم التداول في السوق.
وتستعد السوق في الشهور القادمة لإضافة عدد آخر من الشركات الجديدة إلى قائمة الشركات التي يتم تداول أسهمها، مما يعني أن حجم التداول مرشح لمزيد من التطور الكمي في عام 2004 وما بعده، ومن هنا يثور تساؤل عما إذا كانت إدارة السوق مستعدة للتعامل مع هذا الوضع الجديد، وكيف يمكن إحداث تطوير نوعي في الأداء بما يعود بالفائدة على المتعاملين من ناحية ولخدمة الاقتصاد القطري بوجه عام من ناحية أخرى؟
والمتعاملون في السوق يأملون في أربع: شفافيةٌ أكبر في نشر وانسياب المعلومات بما يضمن وصولها إلى الجميع في وقت واحد، وفهمٌ أفضل للعوامل التي تؤثر على حركة الأسعار في السوق، وتنفيذ أسرع لأوامر البيع والشراء بما يتناسب مع مستويات الأسعار ودونما تفضيل لعميل دون آخر من جانب الوسطاء، وتنويع في مجالات التعامل المتاحة في السوق. وأما ما يخدم الاقتصاد القطري فهو ثلاث؛ أولها أن يستمر التوسع في حجم التداول في السوق عن طريق زيادة عدد الشركات المسجلة وزيادة عدد المتعاملين والارتفاع المنطقي في الأسعار والمؤشر العام، وثانيها عدم حدوث هزات في السوق نتيجة مضاربات خطرة ترفع الأسعار عالياً وتهبط بها سريعاً، وثالثها أن تصبح السوق مصدراً لاستقطاب المدخرات من الداخل والأموال المهاجرة من الخارج، وذلك لا يتحقق إلا بتحقق العوامل الخمسة السابقة المشار إليها.
1- الشفافية في نشر وانسياب المعلومات:
رغم أن هناك تحسن في مجال نشر البيانات المالية، إلا أن الشركات في ذلك ليست على درجة واحدة من التقيد والالتزام. والشفافية المطلوبة لا تقتصر فقط على نشر البيانات المالية، وإنما تتعداها لتشمل الإفصاح عن كافة المعلومات التي تؤثر تأثيراً مباشراً على أسعار الأسهم في السوق، سواء في ذلك المعلومات التي من شانها رفع الأسعار كخطط التوسع وزيادة رأس المال وتوزيع أرباح في صورة أسهم مجانية، أو المعلومات السيئة التي تعمل على خفض الأسعار كالخسائر والغرامات التي تتكبدها الشركات في نشاطها الجاري والسرقات أو الاختلاسات المالية وغيرها.وعلى إدارة السوق متابعة هذا الموضوع عن طريق التنسيق المستمر مع إدارات الشركات والإطلاع على محاضر اجتماعات مجالس إداراتها، والعمل على نشر ما يتاح لها من معلومات بكل الوسائل الممكنة.ونشر البيانات المالية يمكن أن يكون من خلال الانترنت كي يتاح لكافة المهتمين من داخل قطر وخارجها، الاطلاع عليها،في حين أن النشر عبر الصحف فقط لا يكون كافياً لوصول البيانات إلى كل الراغبين في الاطلاع عليها.
وهناك نقطة في غاية الأهمية وهي أن الجهات المعنية في الشركات المساهمة، لا تهتم بموضوع الرد الفوري والسريع على ما ينشر من إشاعات بالتأكيد أو النفي. وفي المقابل فإنه في الاحوال المماثلة في أسواق الدول المتقدمة تقوم إدارات السوق بتعليق التعامل في أسهم الشركات ذات العلاقة لحين صدور نفي أو تأكيد للاشاعات
.
2- العمل على تحليل البيانات المتاحة:
من المسلم به أن نشر البيانات المالية يفيد المحللين والمختصين، ولكنه لا يكون كذلك بالنسبة للشخص غير المتخصص، ولذلك فإن على إدارة السوق الاهتمام باستضافة القادرين على تحليل تلك البيانات وبيان تأثيراتها على اتجاهات الأسعار، ونشر ما يتوصل إليه المحللون من نتائج. وتكون تلك النتائج معبرة عن رأي أصحابها الذين يُفترض أنهم خبراء محايدون من خارج السوق، ويكون الهدف منها تنوير الناس فقط. ويمكن أن يتم ذلك من خلال تبني السوق لمحاضرات يلقيها المتخصصون يشكل دوري في قاعة من قاعات إدارة السوق، ومن خلال تغطية إذاعية أو تلفزيونية أو عبر الإنترنت، ليس فقط لأسعار الأسهم وإنما أيضاً للتعليق على ما يحدث من تطورات والتنبؤ بالاتجاهات المحتملة للأسعار.
3- سرعة تنفيذ أوامر الشراء والبيع:
إن عدم التنفيذ السريع لأوامر الشراء والبيع يصيب المتعاملين بالإحباط وخاصة في الفترات التي يشتد فيها الإقبال على السوق وتنشط حركة التداول. وقد اشتكى متعاملون من أن طلباتهم لم تنفذ في الوقت المناسب مما أضاع عليهم فرصاً للربح أو للهروب من خسائر كان يمكن تفاديها بالتنفيذ السريع للأوامر. وتتعدد أسباب هذه المشكلة ما بين خلل في نظام التسجيل للطلبات وآلية التنفيذ نفسها التي يشكو البعض من أنها نصف آلية، وبين مشاكل لدى الوسطاء الذين يقال بأنهم يحابون كبار المتعاملين على صغارهم. وبقدر ما تنجح إدارة السوق في تذليل هذه المشكلة، بقدر ما تزيد حركة التداول في السوق وتتطور.
4- تنويع مجالات التعامل في السوق:
يقتصر التداول في السوق حالياً على عمليات الشراء والبيع التقليدية التي يتم فيها البيع أو الشراء الفوري للأسهم مع دفع كامل الثمن. ويسمح مصرف قطر المركزي للبنوك بتمويل 50% من قيمة مشتريات الأسهم للعملاء.ولا تزال السوق تفتقر إلى أدوات التعامل الحديثة مثل التعامل بالصفقات الآجلة وفي صفقات الأوبشن أو حقوق الخيار.ومن شأن إضافة هذه الأدوات الجديدة للتعامل في السوق وغيرها أن يزيد الأقبال على التعامل في السوق ويتضاعف حجم التداول.
5- زيادة عدد الشركات المساهمة:
لقد كان لفصل وزارة الاقتصاد والتجارة عن وزارة المالية تأثيرات إيجابية على مسيرة الاقتصاد القطري خلال العامين الماضيين، ولقد بدا ذلك واضحاً من عدد الشركات المساهمة الجديدة التي تم تأسيسها وطرح أسهمها للتداول في السوق، أو تلك التي ستطرح للاكتتاب خلال الشهور القادمة. ومن غير المنطقي أن تستمر عمليات التأسيس والتخصيص دونما خطة واضحة وبرنامج زمني معلن، ولذا فإن على وزارة الاقتصاد والتجارة بالتعاون مع وزارة الطاقة والصناعة وبإشراف من المجلس الأعلى للشئون الاقتصادية العمل على وضع مثل هذا البرنامج لمساعدة المستثمرين على وضع الخطط التي تناسب ظروفهم.
وقد يكون من المناسب النظر في إمكانية السماح للمقيمين في البلاد بالتعامل في سوق الدوحة للأوراق المالية وذلك ضمن ضوابط وشروط معينة. ولقد أسفرت تجربة إشراك المقيمين في الاكتتاب في أسهم شركة كيوتل عن نتائج إيجابية، ذلك أنه مع بقاء كيوتل كواحدة من المعالم البارزة للاقتصاد القطري فإن أداء الشركة قد تحسن وباتت من بين أفضل شركات الاتصالات في المنطقة.
وعلى ضوء ما أفرزته تجارب الاكتتاب في أسهم الشركات العامة من نتائج في العامين الماضيين فإن وزارة الاقتصاد والتجارة بحاجة إلى عمل مراجعة لقوانين وشروط الاكتتاب بما يحقق أفضل مصلحة الناس.
6- الحيلولة دون حدث هزات في السوق:
إذا كان الارتفاع المنطقي في الأسعار وبالتالي في مؤشر السوق أمر محمود، فإن القفزات المتتالية والارتفاع الكبير في الأسعار والمؤشر هما من الأمور الخطيرة التي قد يترتب عليها في وقت لاحق حدوث هزات عميقة في السوق من جراء تراجع كبير في الأسعار وما يترتب على ذلك بالطبع من خسائر كبيرة للمتعاملين. ومن هنا فإن الحيلولة دون حدوث الهزات يتطلب تضافر جهود المسئولين في كل من سوق الدوحة للأوراق المالية ووزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة المالية ومصرف قطر المركزي. ويمكن التنسيق بين مواقف هذه الجهات الأربع من خلال ممثليها في لجنة سوق الدوحة، بحيث تتولى كل جهة القيام بما يقع ضمن اختصاصاتها من أعمال لتفادي الهزات العنيفة في السوق.
وقد يكون التغير الشديد في مستوى الأسعار نتيجة للإفراط الزائد في الاكتتاب بأكثر من اللازم باستخدام بطاقات وأسماء الغير لغرض الاستفادة من الفارق الملموس بين سعر الاكتتاب وسعر التداول عند طرح الأسهم في السوق. وقد أدت هذه الظاهره إلى مشاكل عديدة خاصة مع جهل أصحاب البطاقات بالربح الذي سيعود عليهم من الاكتتاب لصالحهم أو لعدم وجود اتفاق محدد بين من يملك رأس المال ومن يملك البطاقة.
7- أن تصبح السوق مصدراً لاستقطاب الأموال:
إن العمل بكل النقاط المشار إليها أعلاه كفيل بجعل السوق مصدراً مهماً لاستقطاب الأموال من الداخل والخارج وبما يعود بالفائدة على الاقتصاد القطري.وأضيف هنا نقطة مهمة تتعلق بمستوى العمولات التي يتقاضاها الوسطاء من المتعاملين نظير اتمام صفقات البيع والشراء. المعروف أن النسبة الحالية هي 4 ريال في الألف ريال كحد أقصى، مع اختلاف النسبة الفعلية التي يتقاضاها الوسيط من عميل لآخر، وتتقاضى إدارة السوق جزء من العمولة يصل إلى 80 درهماً في الألف ريال. وبالمقارنة بما هو معمول به في الدول الخليجية الأخرى فإن العمولة التي يتقاضاها الوسيط تنخفض إلى 1.5 ريال لكل ألف ريال في السعودية، وإلى 1.25 دينار لكل ألف دينار في الكويت.وقد يكون حجم التداول المرتفع في البلدين كافياً للتعويض عن انخفاض النسبة فيهما، ومع ذلك فإن في البحرين التي تقترب ظروف التداول فيها من ظروف سوق الدوحة، تنخفض فيها النسبة إلى 3 في الألف للصفقات التي تقل عن 20 ألف دينار، ولكنها تنخفض بعد ذلك إلى 2 في الألف لحجم التداول الذي يزيد عن 20 ألف دينار ويقل عن 50 ألف دينار ثم تنخفض إلى واحد في الألف للصفقات التي تزيد عن 50 ألف دينار.وإذاً هناك مبرر للنظر في خفض النسبة في قطر لتنشيط عمليات البيع والشراء. المعروف أنه كلما كانت النسبة منخفضة كلما كان بامكان المستثمر الدخول إلى السوق والخروج منه عندما يتحقق له ربح ولو محدود فوق العمولة المقررة.ولم تكن ظروف السوق في الماضي تسمح بمثل هذا الخفض في النسبة، إلا أن القفزة الكبيرة التي طرأت على حجم التداول هذا العام كما أسلفنا في بداية هذا المقال وفرص تضاعفه فى السنوات القادمة يجعل من تخفيض النسبة أمراً ممكناً بل وضرورياً لحدوث التطوير.