ما جري في سوق الدوحة للأوراق المالية في الأسابيع الأخيرة وعلى وجه التحديد منذ إلغاء المجموعة العقارية أمر محير بل ومقلق وخارج عن المألوف بكل المقاييس. وأن يرتفع مؤشر السوق بنحو 500 نقطة أو أكثر من 12% في أسبوع واحد لهو أمر غير عادي، ولا يوجد له مبرر في ظاهر الأمور على الأقل، إلا أن تكون هناك أخبار قد رشحت مجدداً عن نية الشركات التي ارتفعت أسعارها إحداث زيادات أخرى على رؤوس أموالها بخلاف ما قررته فعلاً.
وجه الغرابة فيما حدث ولا يزال يحدث أن ارتفاع مؤشر السوق يحركه أو يدفعه الارتفاع الغريب في أسعار شركات التأمين والبنوك وشركتي الإسمنت والملاحة فقط. وقد سبق لأسعار أسهم هذه الشركات أن ارتفعت في الأسابيع والشهور الماضية كرد فعل لأنباء توزيعات الأرباح المحتملة مع كون جزء مهم من هذه التوزيعات في صورة أسهم مجانية. وقد استوعبت السوق بالفعل هذه الأنباء وارتفعت الأسعار في عدة موجات، وعلى سبيل المثال ارتفع سعر سهم بنك الدوحة في الموجة الأولى إلى 130 ريالاً واستقر هناك لمدة ثلاثة شهور قبل أن يرتفع في الموجة الثانية إلى 158 ريالاً ثم إلى 180 ريالاً وبعدها إلى 190 ريالا ًفي الموجة الرابعة. وقد كان في ظني أن يتوقف الأمر عند هذا الحد وأن تعود الأسعار إلى الانخفاض بعد توزيع الأرباح ، ولكن الأمور سارت على نحو مخالف وقفز سعر السهم بالأمس إلى 215 ريالاً حاملاً معه إمكانية أن يرتفع مجدداً اليوم الأربعاء إلى مستويات أعلى. وقد ارتفعت أسعار أسهم البنوك الأخرى وفي مقدمتها المصرف الإسلامي والبنك الدولي الإسلامي والبنك التجاري، ودخلت أسعار أسهم البنوك في سباق محموم مع أسعار أسهم شركات التأمين، ليصل سعر سهم الشركة الإسلامية للتأمين مثلاً إلى 208 ريال!!! والغريب أن تقتصر هذه الموجة الجديدة على أسعار أسهم عدد من الشركات يقل عن نصف الشركات المدرجة في السوق، بل وأن يحدث تراجع لأسعار أسهم شركات مثل صناعات والإجارة والمواشي والمتحدة والكهرباء، وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن ما يحرك الأسعار في السوق ليس هو بالضرورة توافر السيولة وانخفاض معدلات الفائدة على الريال وعلى العملات الأخرى، كما أنه لا يتوقف عند موضوع توزيع أرباح في صورة أسهم مجانية في بعض الشركات، وإنما يتعداه إلى أسباب أخرى قد لا يعلمها إلا العالمون ببواطن الأمور باعتبار أن شيئاً لم يعلن رسمياً حتى الآن.
ورغم أن ارتفاع أسعار أسهم أي سوق هو بالتأكيد أمر جيد ومرغوب فيه، إلا أن حدوث الارتفاع على هذا النحو السريع أمر مقلق وغير مفهوم وقد تكون له فيما بعد نتائج سيئة على المستثمرين وخاصة صغارهم، الذين يلهثون في العادة وراء كل ارتفاع دون أن يعرفوا أسبابه أو متى يخرجون من السوق. وقد يكون من الصالح والمفيد في هذه المرحلة أن يخرج المسئولون في وزارة الاقتصاد والتجارة إلى وسائل الإعلام لطمأنة الناس وإيضاح الدوافع الكامنة وراء ما يحدث. وحتى يحدث ذلك فإنني أنصح صغار المتعاملين بالبقاء خارج السوق رحمة بأعصابهم من التوتر الذي يصاحب المستثمرين في مثل هذه الأحوال.