ما حكاية المؤشر الذي انفلت من عقاله، وانطلق صاعداً لا يلوي على شئ؟ وهل من المنطقي أن يتجاوز المؤشر الـ5000 نقطة ويرتفع 158 نقطة في يوم واحد رغم أن أسعار أسهم 11 شركة قد انخفضت، وظلت أسعار أسهم خمس أُخرى بدون تغيير؟ وبصيغة أخرى لماذا يرتفع المؤشر على هذا النحو في الوقت الذي تهبط فيه أسعار أسهم شركات عملاقة مثل صناعات وكيوتيل، وأخرى كبيرة مثل التحويلية وقطر للتأمين والمصرف والدولي والأهلي والدوحة للتأمين، وأخرى مثل الإجارة والفحص الفني؟ وهل يكفي ارتفاع أسعار أسهم الوطني والتجاري والدوحة والنقل البحري والإسمنت لتبريرهذه القفزة الكبيرة للمؤشر؟ ولماذا ترتفع أسعار أسهم هذه الشركات وفي هذا الوقت بالذات، رغم أن بعضها كالدوحة والتجاري والإسمنت قد بدا وكأنه استنفد فرص ارتفاعه، ورغم أن سعر سهم الوطني قد ظل مستقراً لأغلب الفترات؟ هذه الأسئلة وربما غيرها كثير، بات يزدحم في أذهان المتعاملين، وبدت أبصار الكثيرين منهم وكأنها معلقة صوب لوحة الأسعار بالسوق أو على صفحة البث المباشر للأسعار عبر الإنترنت.
وأسارع إلى القول بإن المؤشر لا يعبر إلا عن أسعار أسهم 20 شركة فقط من الشركات المُدرجة في السوق وعددها الآن 30 شركة، والشركات العشرون، هي الشركات التي كانت مُدرجة في السوق مع بداية عام 1998 لحظة إطلاق المؤشر. ويُحسب المؤشر في أي لحظة بقسمة القيمة السوقية لأسهم الشركات العشرين على القيمة المناظرة لها في عام 1998مع ضرب الناتج في ألف. فلو تصورنا أن القيمة السوقية لجميع أسهم الشركات العشرين هذا اليوم هي 75 مليار ريال، وأنها كانت عام 1998 نحو 15 مليار، فإن المؤشر يكون بذلك 5000 نقطة. وكلما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الداخلة ضمن المؤشر، زادت قيمتها السوقية وزادت بالتالي قيمة المؤشر. ولأن أسهم الشركات الجديدة ومن بينها صناعات ليست ضمن القائمة، لذا فإن انخفاض أسعارها في الشهور الأخيرة لم يؤثر على المؤشر. ومن غير الإنصاف لذلك أن يُطلق عليه مؤشر سوق الدوحة للأوراق المالية طالما أنه لا يعبر إلا عن أسعار أسهم ثلثي الشركات المدرجة فيه. وقد يكون لإدارة السوق مبرراتها الفنية والعملية لثبات مكونات المؤشر، ولكنني أوصي بتوضيح هذه الحقيقة للجمهور والتأكيد على أن المؤشر خاص بعشرين شركة فقط وليس لكل الشركات، وذلك ما جرت عليه العادة في أسواق العالم، حيث يعبر مؤشر داو جونز في نيويورك عن أسعار أسهم 30 فقط من الشركات الكبيرة، ويعبر مؤشر الفايننشال تايمز في لندن عن أسعار أسهم 100 شركة، مع ذكر الرقم والمؤشر صراحة في كل حالة. وقد يكون من المناسب أن تتضمن التقارير الصادرة عن السوق، هذه الحقيقة بوضوح وأن يتم إبرازها على لوحة الأسعار وفي صفحات الإنترنت الخاصة بالسوق، أو أن تعدل إدارة السوق مؤشرها ليتناسب مع أسعار أسهم كل الشركات.
وعلى ضوء ما تقدم يمكن أن نفهم إجابة بعض الأسئلة المطروحة، إذ طالما ترتفع أسعار أسهم شركات مؤثرة وبشكل قوي مثل ارتفاع سعر سهم الوطني بنحو 30 ريالاً أو نحو 22% في أسبوع، وارتفاع سعر سهم النقل البحري بأكثر من 40 ريالاً أو ما يزيد عن 50% في أسبوعين، فإن المؤشر لا بد أن يرتفع على النحو المشار إليه.
وارتفاع أسعار أسهم الشركات الكبيرة بوجه عام –وخاصة من ظل منها مستقراً لفترة من الزمن كالوطني – أمر يمكن فهمه لأكثر من سبب نذكر منها:
1- إن هناك سيولة كبيرة لا زالت تتحرك في السوق المحلي، وأن فرص التشغيل المتاحة أمامها محدودة جداً في ظل استمرار العائد المنخفض جداً على الودائع المصرفية، وفي ظل تراجع أسعار الأسهم العالمية وازدياد مخاطر الاستثمار بالخارج.
2- إن أسعار النفط العالمية قد أنهت الربع الأول من العام عند أعلى مستوى لها في 13 سنة، وأن معطيات العرض والطلب في السوق البترولية العالمية ترجح بقاء سعر البرميل فوق مستوى 30 دولار في الشهور القادمة، وذلك يعني صراحة دخول الدول المنتجة للنفط ومنها دولة قطر مرحلة طويلة من الدخل المرتفع لم تشهدها من قبل. ويُضاف إلى ذلك ما تحققه البلاد من إنجازات ضخمة في مجال تصدير الغاز والصناعة البتروكيماوية، لتخلق فرصاً قوية للربح في معظم القطاعات ومنها البنوك والعقارات والنقل.
هذه الأسباب دفعت المتعاملين إلى عدم التريث أوالتقاط الأنفاس أوالانتظار لما ستُسفر عنه نتائج الربع الأول من أرباح، واندفعوا لشراء الأسهم ثانية بدءاً بالشركات الواعدة التي لم ترتفع أسعارها كثيراً كالوطني أو تلك التي لديها فرصاً قوية للنمو كالعقارية والنقل البحري، أو تلك التي استفادت من درس ارتفاع الأسعار في الشهور الماضية وقررت ألآ تفوتها معمة توزيع أسهم مجانية في العام القادم.
والذي يرفع أسعار الأسهم بهذه الدرجة من القوة هم مديرو الاستثمار في الشركات وفي المحافظ المالية الذين لديهم في العادة أموال طائلة تتحرك في السوق بمعلمة وحرفية عالية، فترتفع الأسعار والمؤشر، على نحو ما يحدث هذه الأيام. وعندما يستنفد المدراء فرص دفع أسعار أسهم شركات بعينها، فإنهم قد يعملون على رفع أسعار أسهم شركات أخرى تكون أسعارها قد باتت رخيصة نسبياً، مثل صناعات واتصالات والكهرباء والماء، والطبية والمواشي والإجارة، والسلام.