قراءة في بيان الموازنة العامة

صدور الموازنة العامة للدولة في كل عام حدث غير عادي، لما تحمله من مؤشرات عن اتجاه الإنفاق الحكومي في سنة قادمة، وعن مستوى العجز أو الفائض المالي وتأثير ذلك على بعض المجاميع الاقتصادية، فما هو الجديد الذي جاءت به تقديرات الموازنة للعام الجديد 2004/2005 ؟

أول ما يمكن ملاحظته هو أن هناك زيادة في الإيرادات المتوقعة بنحو 4604.7 مليون ريال وبنسبة 21.3% عن موازنة العام الماضي، وهذه الزيادة في الإيرادات عائدة إلى أكثر من سبب ، وقد يكون في مقدمتها إعتماد سعر 19 دولار لبرميل النفط بدلاً من 16 دولار في السنوات السابقة. ويبدو أن وزارة المالية باتت تشعر بقدر كافي من الإطمئنان إلى أن الأمور ستسير على ما يرام، وأنه مهما انخفضت الأسعار فإنها في الغالب لن تصل إلى 19 دولار للبرميل. وكما قال سعادة الوزير، فإن اعتماد سعر 19 دولار هو لأغراض احترازية، والمؤمل أن تظل الأسعار أكثر من ذلك وأن يؤول العجز التقديري إلى الصفر أو يتحول إلى فائض كما في السنوات الأربع الماضية.
وثانية الملاحظات يتعلق بالزيادة الكبيرة –والمتوقعة- في مخصصات المشروعات الرئيسية بنسبة 44% إلى 8883 مليون ريال، وأقول متوقعة بالنظر إلى وجود فائض في موازنات السنوات السابقة، وهو ما ساعد على دعم التوجه لإحداث قفزة نوعية هائلة في البنية التحتية.ولم يكن من المستغرب لذلك أن يحظى قطاع التعليم ورعاية الشباب بالنصيب الأكبر من مخصصات المشروعات الرئيسية في ظل اهتمام القيادة العليا في البلاد بموضوع تطوير التعليم. كما حظي قطاع الصحة بزيادة كبيرة في اعتماداته المالية عن السنة السابقة. وزادت مخصصات استملاك واستصلاح الأراضي إلى 1300 مليون ريال، وهو رقم كبير جداً ليس له مثيل إلا في سنوات الطفرة المالية عام 1981.
وثالثة الملاحظات، أن بعض مخصصات القطاعات الأخرى كالكهرباء والماء والصرف الصحي والإسكان الشعبي وإسكان كبار الموظفين لم يطرأ عليها إلا زيادة محدودة أو أنها تراجعت قليلاً رغم ما أشار إليه البيان من إحداث نقلة نوعية فيها، وقد زادت في المقابل مخصصات ما يُطلق عليه خدمات المجتمع، قريباً من الضعف إلى 1542 مليون ريال، ولم تكن هناك إيضاحات لما يشتمل عليه هذا البند.
ورابعة الملاحظات، أن تبويب مخصصات المشروعات حسب القطاعات الرئيسية يختلف من سنة لأخرى بشكل يصعب معه إجراء مقارنات في بعض الأحيان، ونضرب أمثلة لذلك بمخصصات الطرق التي جُمعت هذا العام مع النقل والمواصلات، فكانت النتيجة عدم وضوح ما هو للطرق وما هو للمواصلات وبالذات ما هو لمشروع المطار الجديد. كما أن مخصصات الإسكان كانت تُجمع في السابق مع مخصصات المباني العامة، وعُرضت هذا العام ضمن قطاع الخدمات الاجتماعية والصحية.
وخامسة الملاحظات، أن بيان الموازنة العامة للدولة – وكما جرت العادة في السنوات السابقة- لا يذكر شيئاً عن النفقات المتكررة، التي تشمل بنود: الرواتب والأجور والنفقات الجارية والمصروفات الرأسمالية الثانوية. ومع ذلك فمن السهل استخراج تلك النفقات المتكررة بطرح مخصصات المشروعات الرئيسية من إجمالي النفقات، فنحصل على 19469.1 مليون ريال، مقارنة بـ 17158 مليون ريال في موازنة عام 2003/2004 ونحو 18188 مليون ريال نفقات متكررة فعلية للسنة 2002/2003. واستناداً إلى معطيات سنوات سابقة، فإن الزيادة في النفقات المتكررة قد تذهب إلى بندي النفقات الجارية والمصروفات الرأسمالية الثانوية، وليس هناك ما يشير إلى زيادةكبيرة على بند الرواتب والأجور إلا بقدر ما هو ضروري لموجهة الزيادة في التعيينات ومصاريف الترقيات والعلاوات.وقد يكون من الضروري إعطاء المزيد من التفصيلات عن هذه الأمور مستقبلاً باعتبار أنها تهم الجميع بدون استثناء.
وسادسة الملاحظات، أن البيان قد أشار إلى أن معطيات الموازنة العامة تهدف إلى تحقيق معدل نمو اقتصادي في حدود 5% مع مراعاة نسبة تضخم مقبولة، ولم يحدد البيان ماهي نسبة التضخم التي تقبلها وزارة المالية، مع العلم بأن موازنة العام 2003/2004 قد ساهمت في إحداث نمو قوي بنسبة 8.9% في ظل معدل تضخم وصل إلى 3% مع نهاية عام 2003، فهل ستؤدي الزيادة في الإنفاق العام بنسبة 21.6% إلى بقاء معدل التضخم تحت السيطرة؟ قد يكون ذلك صعباً في ظل تراجع سعر صرف الدولار وانخفاض معدل الفائدة على الريال، وارتفاع مخصصات استملاك الأراضي إلى 1300 مليون ريال.