بعد أن تجاوز المؤشر مستوى 5700 نقطة خلال اليومين الماضيين، بدا واضحاً أنه فقد جانباً مهماً من الزخم الذي مكنه من الإنطلاق بقوة على مدى الأسابيع الماضية . ويبدو أن معين المفاجئات قد أوشك على النضوب، وكان آخرها ما تردد عن نية البنك الأهلي توزيع مبلغ 11 ريال نقداً لكل سهم في إطار الصفقة التي ستتم مع البنك الأهلي المتحد. فهل يتوقف اندفاع المؤشر في الأسابيع القادمة ويحدث التصحيح المنتظر، أم أن المعطيات الاقتصادية الراهنة ستبقي عليه قريباً من المستويات الحالية؟
مما لا شك فيه أن أجواء الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده البلاد تنعكس إيجابياً على نتائج أعمال البنوك وشركات التأمين وشركات الملاحة والاسمنت والنقل البحري والاتصالات وغيرها، وذلك بدوره يزيد من أرباح هذه الشركات وهو ما يولد طلباً قوياً على أسهمها، فترتفع أسعارها بقوة. ولكن ذلك لا يحكي إلا جانباً من القصة، ولا نستطيع إغفال الجانب الأهم وهو أن الطلب القوي على أسهم شركات بعينها، إنما هو نتيجة حتمية لما يجري على أرض الواقع من ممارسات استثنائية. فالشركات التي تُعلن عن زيادة رؤوس أموالها عن طريق طرح أسهم إضافية، إنما تدفع الأمور باتجاه خلق طلب قوي على أسهم هذه الشركات دون غيرها، طالما أن السعر الذي يُطرح به السهم هو سعر محدد سلفاً بما يقل بشكل ملحوظ عن سعر السوق. ولو كان الطرح بسعر السوق لما ارتفعت الأسعار على هذا النحو المحموم، ولو اتسع الطرح ليشمل كل الجمهور بدلاً من اقتصاره على المساهمين فقط، لما ارتفعت الأسعار أيضاً بهذه الطريقةً، طالما لا توجد ميزة خاصة لحملة الأسهم في ذلك.
ثم إن محصلة الاكتتاب في الأسهم الإضافية أن تحصل الشركة المكتتب في أسهمها على مبالغ كبيرة جداً تصل إلى تسعة أمثال الزيادة المطلوبة في رأس المال، باعتبار أن السهم يُطرح بمائة ريال والقيمة الإسمية له عشرة ريالات فقط. ويكون من نتيجة ذلك إضافة كبيرة للاحتياطيات المالية، وهي ما ستمكن الشركة في العام القادم من زيادة رأسمالها مجدداً عن طريق توزيع أسهم مجانية. ويكون توقع مثل هذا الشئ-ناهيك عن تسريب أخبار أو إشاعات بصدده – مبرراً كافياً لجولة جديدة من الارتفاع في سعر سهم الشركة.
وهكذا نجد أن ما يحدث حالياً في السوق من ارتفاعات كبيرة وغير مألوفة إنما هو نتيجة لما يطرأ على المراكز المالية للشركات بقرارات من مجالس إداراتها وجمعياتها العمومية، وليس فقط نتيجة لأدائها ونشاطها الأصلي. ونجد على سبيل المثال أن سعر سهم البنك التجاري قد ارتفع بشدة إلى 231 ريال في حين تخلف عنه سعر سهم بنك الدوحة إلى 181 ريال بالنظر إلى أن الجمعية العمومية للبنك التجاري قد أقرت زيادة جديدة على رأس المال في حين رفضت الجمعية العمومية لبنك الدوحة اقتراحاً مماثلاً في وقت سابق.
وإذا لم تنكسر الحلقة المفرغة التي تدفع الأسعار إلى الارتفاع على هذا النحو فإن ما نشاهده من وضع استثنائي قد يستمر شهوراً قادمة خاصة وأن الموازنة العامة للدولة قد جاءت هذا الشهر بمبررات إضافية للزيادة في أسعار الأسهم، بالنظر إلى الزيادة الكبيرة في مخصصات النفقات العامة وعلى بند المشروعات الرئيسية بوجه خاص. كما أن التوقعات على صعيد السياسة النقدية لا زالت تتحدث عن بقاء معدلات الفائدة منخفضة في عام 2004، وذلك يجعل الاستثمار في الأسهم المحلية أكثر جاذبية من بدائل أخرى كثيرة.
ومع ذلك لا بد من الإشارة بوضوح إلى استحالة أن يستمر هذا التصاعد في الأسعار إلى ما لا نهاية، وأن طبيعة الأشياء، وخاصة الرغبة في جني الأرباح عند لحظة زمنية معينة، سوف تضغط باتجاه تراجع الأسعار في يوم ما عندما تتغير الأمور أو تتبدل قواعد اللعبة. وإذا ما تأخر حدوث ذلك وارتفعت الأسعار عالياً جداً فإن ذلك سيكون مؤشراً على المدى الذي قد تهبط إليه الأسعار في وقت لاحق مثلما حدث في مواطن أخرى كثيرة. ولعل من الأفضل لذلك عدم ترك الأمور منفلتة، وأن يتم البحث في إمكانية كسر الحلقة المفرغة في الوقت المناسب وبأقل قدر من الضجيج