أين يقع خط الفقر في قطر؟

قطر واحدة من أغنى دول العالم إذا ما قيس الغنى بمتوسط دخل الفرد سنوياً ،ورغم أن الدولة مدينة في الوقت الراهن بمليارات الدولارات، إلا أن هذه المديونية في تناقص مستمر نتيجة الفائض السنوي المتحقق من الميزانية العامة للدولة، ونتيجة فائض التعامل الخارجي مع العالم أي فائض ميزان المدفوعات. ومن المنتظر أن تتلاشى المديونية بالكامل خلال السنوات القادمة باكتمال التوسع في مشروعات التنمية الاقتصادية، ودخولها جميعاً مرحلة التشغيل والتصدير.
ومع ذلك فإن قطر لا تخلو من الفقر والفقراء مثلها في ذلك مثل بقية دول العالم وحتى المتقدمة والغنية بما فيها الولايات المتحدة. المعروف أن ربع سكان العالم أو ما يعادل مليار ونصف المليار نسمة كانوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع في عام 2000، أي ينفقون أقل من دولار في اليوم، وترتفع النسبة إلى الثلث في حالة الدول النامية. وقد بلغت النسبة في الولايات المتحدة عام 2002 نحو 12.4% أو ما يعادل 34.8 مليون أمريكي يعيشون تحت خط الفقر العادي أو المطلق ( أي إنفاق دولارين في اليوم).
ويٌحَدد خط الفقر اعتماداً على مستوى الدخل الأدنى اللازم لتوفير الغذاء والملبس والسكن والضروريات الأخرى كالصحة والتعليم. ويتغير هذا الحد تبعاً لتغير المستوى العام للأسعار والتغير في حجم العائلة.
وليس هناك قياس لمدى انتشار ظاهرة الفقر في قطر، ومع ذلك يمكن التعرف على أبعاد المشكلة ومعدل نموها واتساعها سنوياً من السجلات المتاحة لدى الجمعيات الخيرية وصندوق الزكاة، ومن البيانات المتاحة لدى إدارة الشؤون الإجتماعية ومن نتائج التعداد العام للسكان.
وتتيح وسائل الإعلام بين الحين والآخر الإطلاع على بعض جوانب الفقر من خلال الطلبات التي تتبناها الصحف لتمويل نفقات العلاج لمريض ما، أو لإعاشة أسرة انقطع معيلها عن العمل أو تخلف راتبه عن الوفاء بالإحتياجات الأساسية والضرورية لأسرته.
ويمكن القول مبدئياً إنه يوجد أكثر من خط واحد للفقر في قطر، لاختلاف تركيبة السكان واختلاف احتياجات كل فئة. فخط الفقر المدقع لدى فئة العمال العزاب من الجنسيات الآسيوية يصل إلى 3.5 دولار في اليوم ويرتفع المبلغ إلى 7.5 دولار في اليوم لخط الفقر العادي إذا كان العامل يسكن على نفقته ويتحمل مصاريف الإقامة والتنقل ومصاريف الدواء واستخراج بطاقة صحية. وهذا المبلغ لايشمل مصاريف التعليم باعتبار عدم حاجة العامل الأجنبي للتعليم في قطر. ويعادل هذا المبلغ الأخير نحو 4100 ريال للأسر غير القطرية التي يبلغ عدد أفرادها خمسة أشخاص بدون مصاريف التعليم التي تصل إلى 1250 ريال لثلاثة من الأبناء في المدارس الخاصة، أي يرتفع خط الفقر إلى نحو 5350 ريال للأسرة أو ما يعادل 9.8 دولار للفرد الواحد يومياً إذا ما أضيفت خدمات التعليم للأبناء.

ويختلف الحال بالنسبة للأسرة القطرية من ناحيتين الأولى أنها في الغالب الأعم تسكن بالمجان في بيت العائلة ولا تتحمل مصاريف الخدمات المختلفة من إقامة وتعليم وصحة وكهرباء أو ماء، ولاجانب من مصاريف النقل، حيث تؤمنها الدولة جميعاً لرعاياها بالمجان. والناحية الثانية أن نفقات الأسرة القطرية على المأكل والملبس تزيد عن مثيلاتها لدى الأسرة غير القطرية بحكم الإنتماء إلى بلد غني، وبسبب بعض العادات الإجتماعية، وذلك يجعل خط الفقر لدى الأسرة القطرية يعادل مثيله للإسرة غير القطرية أي في حدود 5350 ريال في الشهر أو ما يعادل 9.8 دولار للفرد، مع زيادة الرقم للأسر التي لديها عدد أكبر من الأبناء.

على أن هناك صورة أخرى للفقر في قطر، تتمثل في الأسر التي لديها دخل جيد يفوق خط الفقر، مع تمتعها بسكنى وخدمات قد تكون مجانية ، ومع ذلك فهي من الأسر الفقيرة إذا ما نظرنا إلى الموضوع من زاوية الديون الشخصية المترتبة عليها نتيجة ظروف استثنائية أو قرارات استثمارية خاطئة. وقد كشفت حلقة أين الحل التي بثها تلفزيون قطر قبل أسبوعين واستضافتني فيها الدكتورة موزة المالكي عن عائلات قطرية عديدة تعاني بشدة من مشاكل تراكم المديونيات البنكية. وقد بدا واضحاً من المكالمات الهاتفية التي وصلت للبرنامج أن هناك من اقترضوا من البنوك في السابق بأكثر من قدرتهم، وعجزوا بالتالي عن السداد أو حتى انقاص مقدار الدين لسبب بسيط وهو أن ما يتم دفعه شهرياً من أقساط لا يزيد عن مقدار الفائدة الشهرية التي تضيفها البنوك إلى أصل الدين. وهذه الظاهرة لا بد من أخذها بعين الإعتبار عند دراسة مسألة خط الفقر في قطر خاصة وأن حجم القروض الشخصية للأفراد يصل إلى 11.7 مليار ريال.