كان قطاع البنوك قد استحوذ على اهتمام المتعاملين في سوق الأسهم المحلية، بالنظر إلى الطفرة الكبيرة التي طرأت على أسعار أسهم البنوك الوطنية في الإثني عشر شهراً الماضية. فقد زادت أسعار أسهم البنوك في الفترة ما بين الخامس من ابريل 2002 والثالث من ابريل هذا العام، بنسب تراوحت من بنك إلى آخر ما بين 93.3% إلى 317.5% ، فهل كان هذا الإرتفاع الكبير نتيجة تحسن أداء البنوك وأرباحها، أم أنه جاء نتيجة لتضافر عدد من العوامل الأخرى من بينها تحسن الأداء؟
إن النتائج النهائية المعلنة للبنوك والتي نٌشرت تباعا في الصحف المحلية، تشير إلى أن إجمالي أرباحها الصافية المتحققة في عام 2003 هي 1385.7 مليون ريال بزيادة نسبتها 28.8% عن عام 2002. وباستبعاد الإيرادات غير التشغيلية التي تحققت لكل من بنك الدوحة ومصرف قطر الإسلامي من الأموال العائدة من بنك الإعتماد والتجارة، فإن نسبة الزيادة تنخفض إلى 21.4%. وقد تباينت نسبة الزيادة ما بين بنك وآخر، فهي منخفضة في بنك قطر الوطني وتصل إلى 10.5% فقط، وترتفع قليلاً في البنك الأهلي إلى 13.1%، ثم تقفز في البنك الدولي الإسلامي إلى 27.3%، وإلى 43.7% في المصرف الإسلامي، وإلى 56.2% في البنك التجاري، و77.4% في بنك الدوحة. ويعزى ارتفاع النسبة في البنوك الثلاثة الأخيرة إلى الإيرادات غير التشغيلية لبنك الدوحة والمصرف، وبسبب زيادة رأس المال والاحتياطيات عن طريق الاكتتاب في أسهم إضافية للبنك التجاري في يوليو الماضي .
ولو نظرنا إلى مدى التحسن في أداء البنوك من زاوية نسبة العائد إلى الموجودات ونسبة العائد إلى حقوق المساهمين لوجدنا أن هناك تحسناً في النسبة الإجمالية لكل البنوك ولكنه تحسن محدود، فنسبة العائد إلى الموجودات قد ارتفعت من 1.97% في عام 2002 إلى 2.14% في عام 2003. ولو استبعدنا الإيرادات غير التشغيلية العائدة من بنك الاعتماد لكل من بنك الدوحة والمصرف الإسلامي ومجملها 79 مليون ريال، لانخفضت النسبة إلى 2.02% فقط، بما يترك تحسناً طفيفاً على النسبة. ونجد من جهة أخرى أن نسبة العائد إلى حقوق المساهمين لكل البنوك قد ارتفعت هامشياً إلى 14.88% مقارنة بـ 14.34% في عام 2002. ولو استبعدنا الإيرادات غير التشغيلية المشار إليها لانخفضت النسبة إلى 14.03%، أي إلى أقل من النسبة المناظرة في عام 2002.
ومن جهة أخرى نلاحظ أن إيرادات البنوك الستة من الأنشطة الإستثمارية غير المصرفية قد زادت في عام 2003 بنحو 88.6 مليون ريال لتصل إلى 218.2 مليون ريال مقارنة بـ129.6 مليون ريال في عام 2002. وهذه الزيادة-وأغلبها على ما يبدو من استثمارات في قطاعي الأسهم والعقارات- ذات طبيعة استثنائية وقد لا تتكرر في المستقبل. وقد استحوذ بنك الدوحة على نصف هذه الزيادة إذ قفزت إيراداته الاستثمارية من 21.8 مليون ريال في عام 2002 إلى 64.2 مليون ريال في عام 2003. وجاء البنك التجاري تالياً وزادت ايراداته الاستثمارية من 24.1 مليون إلى 51.6 مليون ريال، ثم البنك الدولي الإسلامي وزادت من 25.4 مليون إلى 34.1 مليون ريال، فالبنك الأهلي من 13.2 مليون إلى 25.5 مليون ريال. وقد زادت ارباح مصرف قطر الإسلامي الاستثمارية بشكل محدود-مع ضخامة الرقم أصلاً- من 43.6 مليون إلى 48.9 مليون ريال، في حين أن أرباح البنك الوطني قد تراجعت-رغم ضآلتها أصلاً- من 4.2 مليون ريال من 2.2 مليون ريال. ولو استبعدنا هذه الزيادة الاستثنائية في أرباح البنوك البالغة 88.6 مليون ريال-إضافة إلى استبعاد الإيرادات غير التشغيلية- لانخفض مجمل الربح في عام 2003 إلى 1218.2 مليون ريال، ولانخفضت نسبة الزيادة في الأرباح إلى 13.2% فقط عن عام 2002. كما أن نسبتي العائد إلى الموجودات وإلى حقوق المساهمين تنخفضان بالتالي إلى 1.88% و 13.05% على التوالي، أي إلى أقل من النسبتين المناظرتين لهما في عام 2002.
والخلاصة إنه كانت هناك زيادة ملحوظة في الأرباح الصافية للبنوك الوطنية في عام 2003 بلغت نحو 310 مليون ريال وبنسبة 28.8% عن عام 2002 إلى 1385.7 مليون ريال، ولكن أكثر من نصف هذه الزيادة أو نحو 167.7 مليون ريال كانت زيادة استثنائية بحيث أن بعضها لن يتكرر والبعض الآخر قد يتكرر وقد لا يتكرر. وباستبعاد هذه الزيادة الاستثنائية تنخفض نسبة الزيادة في أرباح عام 2003 إلى 13.05% فقط، وتنخفض نسبتا العائد إلى الموجودات وإلى حقوق المساهمين إلى أقل مما كانت عليه في عام 2002.
وسواء نظرنا إلى الزيادة المعدلة في أرباح البنوك أو إلى الزيادة الكلية فإن أياً منهما لا تقدم تفسيراً مقنعاً لتلك الزيادة الكبيرة التي طرأت على أسعار الأسهم في الشهور الأخيرة. وقد أشرت في مقال آخر إلى أن الطلب القوي على أسهم البنوك، إنما هو نتيجة للزيادة الكبيرة في حجم السيولة المحلية نتيجة لمعطيات السياستين المالية والنقدية من ناحية ولما تقرره مجالس إدارات البنوك من قرارت من ناحية أخرى. فالبنوك التي تُعلن عن زيادة رؤوس أموالها عن طريق طرح أسهم إضافية، إنما تدفع الأمور باتجاه خلق طلب قوي على أسهم هذه الشركات دون غيرها، طالما أن السعر الذي يُطرح به السهم هو سعر محدد سلفاً بما يقل بشكل ملحوظ عن سعر السوق. ولو كان الطرح بسعر السوق لما ارتفعت الأسعار على هذا النحو المحموم، ولو اتسع الطرح ليشمل كل الجمهور بدلاً من اقتصاره على المساهمين فقط، لما ارتفعت الأسعار أيضاً بهذه الطريقةً، طالما لا توجد ميزة خاصة لحملة الأسهم في ذلك.
ثم إن محصلة الاكتتاب في الأسهم الإضافية أن يحصل البنك المكتتب في أسهمه على مبالغ كبيرة جداً تصل إلى تسعة أمثال الزيادة المطلوبة في رأس المال، باعتبار أن السهم يُطرح بمائة ريال والقيمة الإسمية له عشرة ريالات فقط. ويكون من نتيجة ذلك إضافة كبيرة للاحتياطيات المالية، وهي ما ستمكن البنك في العام القادم من زيادة رأسماله مجدداً عن طريق توزيع أسهم مجانية. ويكون توقع مثل هذا الشئ-ناهيك عن تسريب أخبار أو إشاعات بصدده – مبرراً كافياً لجولة جديدة من الارتفاع في سعر السهم.
وهكذا نجد أن ما حدث من ارتفاعات كبيرة وغير مألوفة في أسعار أسهم البنوك إنما هو نتيجة لما يطرأ على المراكز المالية بقرارات من مجالس إداراتها وجمعياتها العمومية، وليس فقط نتيجة لأدائها ونشاطها الأصلي. ونجد على سبيل المثال أن سعر سهم البنك التجاري قد ارتفع في الآونة الأخيرة بشدة إلى 231 ريال في حين تخلف عنه سعر سهم بنك الدوحة إلى 181 ريال بالنظر إلى أن الجمعية العمومية للبنك التجاري قد أقرت زيادة جديدة على رأس المال في حين رفضت الجمعية العمومية لبنك الدوحة اقتراحاً مماثلاً في وقت سابق.