هل كان ما حدث أمس الأول في سوق الأسهم المحلية ردة فعل قوية لتصريحات سعادة وزير الاقتصاد والتجارة، أم هي بداية لجولة تصحيح قد تأخرت كثيراً عن موعدها وجاءت تصريحات الوزير لتعطيها الصدمة اللازمة كي تحدث؟
لقد أشرت في مقال سابق قبل ثلاثة أسابيع إلى أن معين المفاجئات قد نضب وأن أسعار أسهم الشركات التي ارتفعت كثيراً سوف تنخفض، وأن أسعار أسهم الشركات التي ظلت منخفضة في الشهور السابقة سوف ترتفع بفضل توافر السيولة. وقد ارتفعت بالفعل أسعار أسهم هذه الشركات وإن بدرجة أكبر من المتوقع لها بتأثير مضاربات زائدة وإشاعات رائجة عن قرب وصول الأسعار إلى مستويات معينة. وفي ظل هذه الظروف وصل سعر سهم شركة النقل البحري في وقت سابق إلى 180 ريالاً، وكان إلى عهد قريب قبل شهرين دون مستوى 70 ريالاً للسهم، ولم يكن هناك من سبب مفهوم لهذا الارتفاع الكبير خاصة بعد أن وزعت الشركة أرباحاً هذا العام في حدود 20% فقط، ولم تقرر جمعيتها العمومية لا توزيع أسهم مجانية ولا زيادة رأس المال عن طريق طرح أسهم جديدة. وقفز سعر سهم الشركة العقارية إلى أكثر من مائة ريال، وكان إلى ما قبل شهرين أو ثلاثة دون الـ 40 ريالاً. وارتفع سعر سهم الإجارة إلى 45 ريالاً والمواشي إلى 33 ريالاً دون أن يكون ذلك ناتجاً عن قراءة لميزانيات تلك الشركات في الربع الأول من العام.
أما شركة صناعات فقد ارتفع سعر سهمها على استحياء بعد أن صمد فوق حاجز 50 ريالاً للسهم، ثم ما لبث أن اكتسب قوة إضافية من البيانات الجيدة عن وضع الشركة في الربع الأول، ومن نشر تلك البيانات في وقت مبكر. كذلك ارتفع سعر سهم شركة الكهرباء والماء على ضوء ما اتضح الآن من حصول الشركة في الربع الأول على مبلغ 310 مليون ريال في صورة إيرادات من سنوات سابقة.
والواضح أن ارتفاع أسعار الأسهم خلال شهر إبريل قد استمد طاقته الإضافية من حجم السيولة العالية المتاحة في السوق بالدرجة الأولى ومن بعض البيانات الجيدة عن الشركات في حالات قليلة، ومن تقبل المتعاملين لما يروج من إشاعات في أحيان كثيرة. وقد كان هذا الارتفاع في أسعار أسهم شركات معينة فوق ما تحتمله طبائع الأشياء لسبب بسيط وهو أن الأسعار المرتفعة للأسهم تدفع المضاربين عادة إلى التعجيل بالبيع لجني الأرباح قبل فوات الأوان، وتدفع المشترين للتريث قبل اتخاذ قرار خاطئ بالشراء في غير أوانه، وقد تأخر حدوث مثل هذه المراجعة بتأثير ما تردد في السوق من إشاعات، وفي ظل حالة من الإنبهار الشديد بما حققته السوق من انجازات لم تخطر على البال.
وقد جاء الفهم الخاطئ لتصريحات الوزير يوم الثلاثاء ليحدث صدمة عجلت بعمليات البيع في محاولة لاستباق التأثير المحتمل لتلك التصريحات على الأسعار، فقد فهم الناس أن هناك أسهماً لشركة جديدة سوف تطرح للاكتتاب بعد شهرين وكان ذلك كافياً لدفع أعداد كبيرة من المتعاملين لتغطية مراكزهم في السوق. وفي رأيي أن توقيت تلك التصريحات مَثلَ عنصر مباغتة في الموضوع، كما أن معظم الناس قد اطلعوا عليها من منظور وفهم الصحافة لها، لا كما وردت على لسان الوزير نفسه في التلفزيون فكانت الصدمة. وقد لاحظنا أن الإنخفاض في أسعار أسهم بعض الشركات يومي الثلاثاء والأربعاء مثل المخازن والمواشي والتخصصي كان حاداً مما يدل على أن صعود أسعار تلك الأسهم لم يكن منطقياًًُ. وفي المقابل نجد أن سعر سهم صناعات قد استوعب الصدمة وظل متماسكاً، مما يعني إمكانية صموده وارتفاعه في الأيام التالية .
والخلاصة إن أسعار أسهم بعض الشركات قد تنخفض في الأسابيع القادمة، لا بسبب مافُهم عن الوزير من تصريحات – تم توضيحها في اليوم التالي – ولكن لأن حركة التصحيح يجب أن تأخذ مجراها لتعبر الأسعار التي ارتفعت بأكثر من اللازم عن واقع الحال لدى الشركات، لا عن حجم الطلب على أسهم تلك الشركات الناتج عن السيولة المتاحة في السوق فقط. والتصحيح قد يكون كبيراً وقد يكون محدوداً وفقاً للكيفية التي تتشكل بها الظروف المحيطة بالسوق.