محاولة لفهم حقيقة الارتفاع الذي طرأ على المؤشر

يستغرب المتعاملون من الارتفاع الكبير في مؤشر السوق إلى مستويات قياسية،وتجاوزه مستوى 6000 نقطة في الأسبوع الثالث من ابريل 2004. ووجه الاستغراب فيما حدث ويحدث أن المؤشر يرتفع بشدة في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار أسهم بعض الشركات، وأنه في قفزاته هذه يخالف المألوف عنه في سنوات سابقة من ارتفاع وانخفاض ثم انخفاض وارتفاع وهكذا دواليك.
والحقيقة أن مؤشر أسعار الأسهم في سوق الدوحة يعبر فقط عن أسعار أسهم عشرين شركة فقط من الشركات المدرجة في السوق وعددها الآن 30 شركة. وبالتالي فهو يعبر فقط عن أسعار أسهم هذه الشركات العشرين دون سواها، وأن أي انخفاض يطرأ على أسعار أسهم الشركات الأخرى لا يجد صدى له في المؤشر. وقد قلت إن من غير الإنصاف لذلك أن يُطلق عليه مؤشر سوق الدوحة للأوراق المالية، طالما أنه لا يعبر إلا عن ثلثي الشركات المدرجة في السوق. واقترحت أن يطلق عليه في المقابل اسم مؤشر DSMI 20 .
وقد يكون لإدارة السوق مبرراتها الفنية والعملية للإبقاء على مكونات المؤشر كما هي بدون تغيير ، إلا أنني أوصيت بتوضيح ذلك لجمهور المتعاملين بأكثر من طريقة والتأكيد بكل الوسائل المتاحة على أن المؤشر يعبر عن أسعار أسهم 20 شركة فقط. وقد حرصت لذلك على إعادة نشر هذا الموضوع في مجلة السوق مع بيان قائمة الشركات المنضوية في المؤشر، وتفضلت إدارة السوق مشكورة بالموافقة على هذا الإقتراح.
على أن الإبقاء على المؤشر كما هو ، وإن كان يمثل الحل الأسهل من حيث التطبيق، إلا إنه بالتأكيد ليس بالحل الأمثل. ولو نظرنا إلى المؤشرات العالمية المشهورة في هذا المجال لوجدنا أنه وإن عبر كل منها عن عدد معين من اسعار أسهم الشركات، إلا أن هناك قدراً من الصفات التي تجمع بينها،كأن تكون شركاتٍ للتكنولوجيا في مؤشر النازداك، أو أن تكون الشركات الكبيرة Blue Chips كما في مؤشر داو جونز، فما الذي يجمع بين الشركات العشرين المكونة لمؤشر سوق الدوحة؟
ليس هناك من رابط يمكن ملاحظته إلا أنها كانت الشركات المدرجة في السوق لحظة إطلاق المؤشر في عام 1998، وأضيف إليها في السنوات التالية أسهم الشركات الجديدة(إتصالات وقطر للوقود والدوحة للتأمين) ومعنى ذلك أن قطاع البنوك ممثل بشكل جيد في المؤشر حيث تندرج البنوك الوطنية الستة فيه، كما أن شركات التأمين متضمنة فيه أيضاً باستثناء القطرية العامة للتأمين التي قيل إن أسهمها لم تكن نشطة في التداول. ويختلف الحال بالنسبة للشركات الصناعية وشركات الخدمات حيث نجد أن نصف الشركات الصناعية وهي صناعات قطر والطبية والتنمية غير متضمنة في المؤشر.كما أن نصف عدد شركات الخدمات وهي المخازن والمواشي والإجارة والفحص الفني والسلام والسينما غير متضمنة في المؤشر أيضاً. ومن هنا فإن انخفاض أسعار أسهم شركات الخدمات والشركات الصناعية الجديدة لا يجد صدى له في المؤشر، في حين أن ارتفاع أسعار أسهم البنوك وشركات التأمين، يؤثر بقوة في المؤشر ويرفعه إلى مستويات قياسية بين يوم وآخر. ( انظر الجدول المرفق الذي يشير إلى قائمة الشركات التي تشكل المؤشر وهي؛ ست بنوك وأربع شركات تأمين وثلاث شركات صناعية وسبع شركات خدمات).
وعلى ضوء ما تقدم يمكن أن نتفهم جزئياً سبب الارتفاع الكبير في قيمة المؤشر، والتي زادت عن 125 بالمائة في الشهور الاثني عشر الماضية، طالما أن أسعار أسهم البنوك وشركات التأمين والشركات القديمة في قطاعي الصناعة والخدمات هي التي ارتفعت أسعارها بشدة في هذه الفترة.
وقد يكون من المناسب إعادة تكوين المؤشر ليشمل كل الشركات المدرجة في السوق، أو أن يتم الاقتصار على توليفة معينة من الشركات، كأن يضم الشركات العشرة الكبرى أو أن يتم اعتماد مؤشرين للسوق أحدهما لقطاعي البنوك والتأمين والآخر لقطاعي الصناعة والخدمات.

ومع ذلك يظل السؤال معلقاً بدون إجابة وافية عن سبب ارتفاع المؤشر على هذا النحو غير المسبوق، وما إذا كان سيواصل اندفاعه إلى ما لا نهاية بدون توقف أو تصحيح؟

مما لا شك فيه أن أجواء الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده البلاد تنعكس إيجابياً على نتائج أعمال البنوك وشركات التأمين وشركات الملاحة والاسمنت والنقل البحري والاتصالات وغيرها، وذلك بدوره يزيد من أرباح هذه الشركات وهو ما يولد طلباً قوياً على أسهمها، فترتفع أسعارها بقوة. ولكن ذلك لا يحكي إلا جانباً من القصة، ولا نستطيع إغفال الجانب الأهم وهو أن الطلب القوي على أسهم شركات بعينها، إنما هو نتيجة حتمية لما يجري على أرض الواقع من ممارسات. فالشركات التي تُعلن عن زيادة رؤوس أموالها عن طريق طرح أسهم إضافية، إنما تدفع الأمور باتجاه خلق طلب قوي على أسهم هذه الشركات دون غيرها، طالما أن السعر الذي يُطرح فيه السهم هو سعر محدد سلفاً بما يقل بشكل ملحوظ عن سعر السوق. ولو كان الطرح بسعر السوق لما ارتفعت الأسعار على هذا النحو المحموم، ولو اتسع الطرح ليشمل كل الجمهور بدلاً من اقتصاره على المساهمين فقط لما ارتفعت الأسعار أيضاً بهذه الطريقةً، طالما لا توجد ميزة خاصة لحملة الأسهم في ذلك.
ثم إن محصلة طرح الأسهم الإضافية أن تحصل الشركة على مبالغ كبيرة جداً تصل إلى سبعة أو تسعة أمثال الزيادة المطلوبة في رأس المال، باعتبار أن السهم يُطرح بسبعين ريالاً أو بمائة ريال والقيمة الإسمية له هي عشرة ريالات فقط. ويكون من نتيجة ذلك إضافة كبيرة للاحتياطيات المالية، وهي ما ستمكن الشركة في العام القادم من زيادة رأسمالها مجدداً عن طريق توزيع أسهم مجانية. ويكون توقع مثل هذا الشئ-ناهيك عن تسريب أخبار أو إشاعات بصدده – مبرراً كافياً لجولة جديدة من الارتفاع في سعر سهم الشركة.
وهكذا نجد أن ما يحدث حالياً في السوق من ارتفاعات كبيرة وغير مألوفة إنما هو نتيجة لما يطرأ على المراكز المالية للشركات بقرارات من مجالس إداراتها وجمعياتها العمومية، وليس فقط نتيجة لأدائها ونشاطاتها الأصلية. ونجد على سبيل المثال أن سعر سهم البنك التجاري قد ارتفع بشدة في شهر أبريل إلى 236 ريال في حين تخلف عنه سعر سهم بنك الدوحة إلى 171 ريال، وارتفع سعر سهم المصرف إلى 216 ريالاً في حين تخلف سعر سهم البنك الدولي الإسلامي إلى 169 ريالاً بالنظر إلى أن الجمعية العمومية لكل من البنك التجاري والمصرف افسلامي قد أقرتا زيادة جديدة على رأس المال في حين رفضت الجمعية العمومية لبنك الدوحة اقتراحاً مماثلاً في وقت سابق، ولم تنظر الجمعية العمومية للبنك الدولي الإسلامي في هذا امر أصلاً.
وإذا لم تُكسر الحلقة المفرغة التي تدفع الأسعار إلى الارتفاع على هذا النحو، فإن ما نشاهده من وضع استثنائي قد يستمر خاصة وأن الموازنة العامة للدولة قد أضافت هذا الشهر مبررات أخرى للزيادة في أسعار الأسهم، بالنظر إلى الزيادة الكبيرة التي طرأت على مخصصات النفقات العامة وعلى بند المشروعات الرئيسية بوجه خاص. كما أن التوقعات على صعيد السياسة النقدية لا زالت تتحدث عن بقاء معدلات الفائدة منخفضة في عام 2004، وذلك يجعل الاستثمار في الأسهم المحلية أكثر جاذبية من بدائل أخرى كثيرة.
ومع ذلك لا بد من الإشارة بوضوح إلى استحالة أن يستمر هذا التصاعد في الأسعار إلى ما لا نهاية، وأن طبيعة الأشياء وخاصة الرغبة في جني الأرباح عند لحظة زمنية معينة، سوف تضغط باتجاه تراجع الأسعار في يوم ما عندما تتغير الأمور أو تتبدل قواعد اللعبة. وإذا ما تأخر حدوث ذلك وارتفعت الأسعار عالياً جداً، فإن ذلك سيكون مؤشراً على المدى الذي قد تهبط إليه الأسعار في وقت لاحق مثلما حدث في مواطن أخرى كثيرة. ولعل من الأفضل لذلك عدم ترك الأمور منفلتة، وأن يتم البحث في إمكانية كسر الحلقة المفرغة في الوقت المناسب وبأقل قدر من الضجيج.