هل من مراجعة لقانون التستر التجاري قبل إصداره؟

تفتخر دولة قطر بأنها تقود عملية تحول واسعة نحو الحرية والديمقراطية في المنطقة العربية وأنها تواصل الانفتاح على العالم بخطى حثيثة وخاصة منذ انضمامها المبكر لمنظمة التجارة العالمية في عام 1995، وبمشاركتها المتميزه ودورها الفاعل في هذه المنظمة، الذي بلغ ذروته باستضافة الدوحة لفعاليات الاجتماع الوزاري الرابع للمنظمة في عام 2001. وكان ذلك المؤتمر قد تمخض عن إطلاق جولة جديدة من مفاوضات تحرير التجارة فيما عرف يومها باسم إعلان الدوحة. كما استضافت الدوحة عدداً من المؤتمرات العالمية التي تؤكد أصالة هذا التوجه لديها وكان آخرها مؤتمر الديمقراطية والتجارة الذي انعقد في الشهر الماضي. المعروف أن الفلسفة الاقتصادية لدولة قطر قائمة أصلاً على مبدأ حرية التجارة دون حواجز، وبحرية انتقال رؤوس الأموال. وفي حين سمح القانون منذ زمن بمشاركة رأس المال الأجنبي في المشروعات الصناعية والتجارية والخدمية بحد أقصى 49%، فإن تعديلات حديثة طرأت على القانون قد فتحت المجال أمام بعض الاستثمارات كي تصل نسبتها إلى مائة بالمائة. وطرأت تعديلات على قانون الشركات المساهمة للسماح لغير القطريين بتملك أسهم شركة كيوتل، كما طرأت استثناءات على قانون العقارات للسماح بتملك غير القطريين لمساكن في مناطق محددة، وفُتح الباب أمام جامعات ومعاهد وكليات لتفتح فروعاً لها في مدينة الدوحة. وكان من الواضح أن عملية التحول التي قادها باقتدار حضرة صاحب السمو الأمير المفدى قد سبقت عصرها وباتت مثلاً يحتذى به لدول العالم الثالث الراغبة في التطور والتقدم.
ووسط هذه الأجواء الانفتاحية الفريدة من نوعها، جاء الإعلان عن مشروع قانون التستر التجاري ليمثل -في بعض جوانبه على الأقل- نوعاً من السباحة ضد التيار . فمع التسليم بوجود مخالفات وتجاوزات للقوانين الاقتصادية منذ وقت طويل، ومع إدراك الدولة الواعي لهذه التجاوزات ومحاولتها استيعابها من خلال ما طرأ على القوانين من تعديلات، فإنه كان من المنتظر أن يتم التفكير بإجراء المزيد من التعديلات على القوانين بما ينسجم مع عضوية قطر في منظمة التجارة العالمية وما نشأ عنها من إلتزامات ، وبما يزيل عملياً الحاجة للتستر التجاري.

واعترف أن بعض الممارسات الخاطئة للمضاربات في مجال الأراضي والأسهم كانت ولا تزال ذات مردود سلبي على الاقتصاد القطري، وتتطلب معالجة قانونية ومالية لوقفها والحد ما أمكن من آثارها السلبية. ولكن التعميم على كل أنواع التعامل التجاري قد لا يخدم الاقتصاد القطري، وقد يحمل الضرر للقطريين بدلاً من منفعتهم. وأتساءل: هل كانت تجربة السماح لغير القطريين بامتلاك جزء من أسهم شركة كيوتيل ضرراً عليها أم أنها ساعدت على تقويتها وفي جعلها واحدة من بين أفضل شركات الاتصال في العالم؟ وأتساءل، هل من المنطقي السماح لغير القطري بامتلاك ما نسبته 49% في مشروع خاص يتصرف فيه كيفما شاء، ولا يُسمح له بتملك ربع بالمائة أو أقل في شركة مساهمة عامة لا تعطيه القدرة على التحكم في الشركة أو توجيهها؟

لقد جاء إعداد مشروع قانون التستر في وقت كشفت فيه البيانات الرسمية أن عدد سكان قطر قد زاد في سبع سنوات بنحو 220 ألف نسمة وبنسبة 42% (أي 6% سنوياً)، ليصل إلى 742 ألف نسمة مقارنة بـ 522 ألف عام 1997. ولو استمر معدل النمو السكاني على هذا النحو، فإن عدد السكان سيتجاوز المليون نسمة قبل عام 2010. وهذه الزيادة الكبيرة في غضون سنوات قليلة ستزيد من الخلل الحاصل في التركيبة السكانية ما بين مواطن ووافد، وقد لا تجدي يومها مواد قانون التستر في الحيلولة دون ممارسة غير القطري لشكل من أشكال التجارة إذا كان بحاجة لإعالة نفسه أو زيادة دخله. وقد ينتج عن ذلك حالة من الإرباك الشديد والفوضى الإجتماعية لكثرة ما قد يعرض على المحاكم من قضايا المخالفات التجارية.

ومن جهة أخرى خلصت دراسة حديثة قامت بها الأمانة العامة لمجلس التعاون إلى أن موارد دول المجلس تتعرض لعملية استنـزاف كبيرة من جراء التحويلات المالية للعاملين والتي تجاوزت 24 مليار دولار سنوياً، وأوصت الدراسة بتعديل القوانين المحفزة للاستثمار بما يساعد على إعادة استثمار جزء كبير من تحويلات المقيمين في دول المجلس.
إن تعديل القانون للسماح للمقيمين –وضمن ضوابط محددة- بالتعامل في الأسهم القطرية، لا يضر القطريين في شيء، بل يفيدهم طالما أن ذلك يعمل على توسيع السوق ويجذب المزيد من المدخرات إليه. وإذا كان البعض يرى في عمليات الاكتتاب منحة يجب أن تقتصر على القطريين فقط، فذلك حقهم، وتلك قضية أخرى لا تتعارض مع السماح لغير القطريين –من المقيمين على الأقل- بشراء الأسهم من السوق وفق ضوابط معينة كما هو معمول به في معظم أسواق العالم.

إن مشروع قانون التستر التجاري ينسجم مع المفاهيم التي كانت سائدة في سنوات الستينيات والسبعينيات، عندما كان عدد شركات المساهمة العامة لا يتجاوز الخمسة أو الستة، وكانت القوانين التجارية والاقتصادية تهدف إلى إيجاد مصادر دخل للانسان القطري في ظل محدودية الفرص المتاحة وانخفاض متوسط دخل الفرد. ولكن هذا المشروع لا يتفق مع واقع الحال في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في وقت ارتفع فيه متوسط دخل الفرد إلى أعلى مستوى في العالم، وتبوأ القطريون كافة المراكز الإدارية والتنظيمية ونسبة عالية من الوظائف العلمية والمهنية في بلادهم.
وإذا كان مشروع القانون يهدف إلى الحد من ظاهرة ممارسة غير القطريين لأشكال التجارة بأسماء قطرية، فذلك يحدث في الغالب في المحلات والورش الصغيرة التي يعزف القطريون عن ممارستها بأنفسهم ويفضلون في المقابل الإبقاء على نوع من العلاقة مع مستخدم السجل التجاري بما يضمن لهم نوع من الفائدة المالية أو العينية دون التزام بالمشاركة في رأس المال ، وقد تكون العلاقة بين الطرفين قائمة على المودة والمحبة دونما نظرة إلى مصلحة. ومن شأن مشروع القانون المقترح أن يؤدي إلى إلغاء وجود هذه الأشكال التجارية دون أن يوجد البديل، وفي ذلك ضرر للاقتصاد القطري ولأنماط العلاقات الاجتماعية القائمة بين القطريين والوافدين.

وإذا كان هدف المشروع محاسبة الذين تملكوا مساكن لهم بأسماء قطرية ومعاقبتهم على ذلك، ففي ذلك أيضاً بعض التناقض مع مناخ الحرية والديمقراطية الذي أشاعه حضرة صاحب السمو الأمير المفدى، وحرمان لغير القطري-الذي ربما ولد وعاش حياته كلها في قطر- من أن يكون له مسكن واحد يعيش فيه، وذلك أيضاً من ملامح الحياة الماضية ولا ينسجم مع مرحلة ما بعد الإنضمام لمنظمة التجارة العالمية.

إنني أدعوا إلى مراجعة شاملة لمشروع القانون قبل إصداره، بما بنسجم مع توجهات الحاضر وبما يُبقي على وشائج المحبة التي تربط بين القطريين وإخوانهم الوافدين(مقيمين كانوا أم زائرين)، وهي علاقة مميزة يشهد التاريخ على متانتها وتميزها.