هل خرج التضخم من قمقمه؟

سألني أحد الأخوة عن معدل التضخم في قطر وما إذا كان المؤشر الرسمي يعكس بصدق تلك المستويات العالية للأسعار في بعض القطاعات وخاصة أسعار العقارات، وما إذا كان الارتفاع الراهن في الأسعار سوف يستمر لفترة طويلة أم أنه سيتغير بعد فترة من الزمن
؟ وأضاف الرجل قائلاً إن ارتفاع أسعار العقارات على هذا النحو سوف ينعكس سلباً على قدرة المواطنين في المستقبل على شراء أراضي لبناء مساكن أو مصالح تجارية. وقد أوضحت له أن البيانات المتاحة عن معدل التضخم في قطر تشير إلى ارتفاع الرقم القياسي لنفقة المعيشة بنسبة 3% مع نهاية عام 2003 مقارنة بديسمبر 2002، وأن المعدل قد ارتفع في الربع الأول من العام الحالي 2004 بنحو 4.6%، حسب المعلومات الأولية المتاحة. وهذه الأرقام وإن كانت تشكل في نظر الاقتصاديين طفرة ملحوظة في مستويات الأسعار بالمقارنة بما كان عليه الحال في السنوات السابقة عندما كان المعدل في حالة تراجع، إلا أنها في الوقت ذاته لا تعكس الإرتفاع الكبيرالذي طرأ على أسعار الأراضي والعقارات في عام 2003 والشهور الأولى من عام 2004. وتشير التقديرات غير الرسمية بهذا الخصوص إلى أن سعر القدم المربع للأرض قد زاد بأكثر من مائة بالمائة في أقل من سنة، وأن الزيادة كانت بأكثر من الضعف بالنسبة للمناطق المخصصة لبناء عمارات سكنية، وبأكثر من300 بالمائة بالنسبة للمناطق التجارية. وهذه المعلومات يمكن لأي متتبع لأوضاع العقارات في قطر أن يدركها بسهولة، كما يمكن التعرف عليها من أي مكتب عقارات من المكاتب المنتشرة في الدوحة والتي تملأ إعلاناتها المبوبة ملاحق الصحف يومياً. وهذه الزيادة في أسعار العقارات ناتجة عن عاملين أساسيين هما:
أولا: الطفرة العمرانية التي تعيشها البلاد والناتجة عن خطة طموحة للارتقاء بالبنى التحتية من مدارس وجامعات ومستشفيات ومباني حكومية ومساجد وطرق وجسور وملاعب رياضية ومصانع ومناطق صناعية وحدائق ومساكن شعبية وأخرى لكبار الموظفين، وكل ذلك يتم بخطى متسارعة لتكون البلاد في أزهى صورة وهي تستضيف حدثاً رياضياً مهما في عام 2006. ومن حُسن الطالع أن هذه الطفرة العمرانية الكبيرة تتم في وقت مناسب من الناحية المالية حيث تمتعت الموازنة العامة للدولة في السنوات الأربع الماضية-ولا تزال- بفائض مالي كبير نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز. كما أن الزيادة السكانية الكبيرة التي كشف عنها التعداد العام للسكان هذه السنة قد أضافت بُعداً آخر للموضوع؛ إذ تبين أن هناك زيادة في عدد السكان بنسبة 16.6% عن التقديرات المُعلنة، وأن العدد الكلي للسكان يصل إلى 742 ألف نسمة مقارنة بـ636 ألف نسمة في منتصف عام 2003. وهذه الطفرة في عدد السكان زادت من الطلب على المباني وخاصة الشقق السكنية لإسكان الوافدين الجدد. كما أن الزيادة الكبيرة التي طرأت على الإيجارات قد عدلت من نمط الطلب على المساكن فزادت الطلب على الشقق على حساب الطلب على الفيلات والبيوت الشعبية. وهذا ما يفسر الزيادة الكبيرة التي طرأت على الأراضي المخصصة للعمارات السكنية بالمقارنة بأسعار أراضي الفيلات.
ثانياً: أن أسعار العقارات قد شهدت دفعة إضافية من الطلب الإضافي الناتج عن المضاربة لأغراض الربح السريع، وهي ظاهرة تنتشر وتترعرع في أوقات النمو والانتعاش ومع تزايد الاختناقات في المتاح من الموارد المخصصة لتنفيذ المشروعات.
وارتفاع الأسعار بوجه عام ظاهرة ممقوتة وتأتي محاربتها على قمة أولويات الحكومات والبنوك المركزية في العالم لآثارها السلبية على المجتمع وعلى النمو الاقتصادي. ومن هنا تحرص الدول على أن تكون برامجها الانمائية متوازنة؛ فلا هي متباطئة بما يفتح المجال لتخلف الوظائف الجديدة عن حاجات الشباب، ولا هي بالمتسارعة بما يسمح للأسعار كي تزداد . ولذلك قد يكون من المناسب أن تراعي أجهزة التخطيط ذلك وأن تعمل على إحداث نمو متوازن بما لا يُخرج التضخم من قمقمه. كما أن على الأجهزة الحكومية المعنية العمل على الحد من تفشي المضاربات بالوسائل القانونية والتنظيمية وبأدوات السياستين المالية والنقدية.
بقي أن نشير إلى أن سعرسلعة معينة قد يزداد بنسبة مائة بالمائة دون أن يرتفع معدل التضخم إلا بنسبة محدودة باعتبار أن معدل التضخم – المعمول به في قطر- هو مقياس متوسط للزيادة التي تطرأ على نفقة معيشة لجميع السكان في قطر. وارتفاع الإيجارات والعقارات بنسبة مائة بالمائة لا يؤثر في إنفاق كل العائلات، بل تتأثر به فقط فئة المستأجرين، ولا يشعر به القاطنون في أملاكهم أو في سكن مؤثث توفره جهة العمل.