التملك العقاري لغير القطريين ، خطوة على الطريق

مما لاشك فيه أن قانون تنظيم تملك وانتفاع غير القطريين للعقارات الذي صدر هذا الأسبوع يمثل خطوة لها دلالتها على صعيد الإصلاح والتطوير من أجل بناء دولة قطر الحديثة. وليس مصادفة أن يصدر هذا القانون بعد أيام قليلة من إنعقاد ندوة الديمقراطية، التي قدم فيها حضرة صاحب السمو الأمير المفدى، أروع خطاب سياسي في الدعوة للإصلاح والتطوير من الداخل. وإذا كانت قطر قد دخلت في سباق مع الزمن منذ سنوات من أجل عبور الواقع الذي يضعها في مصاف الدول النامية إلى مستقبل واعد، فإن القانون المشار إليه يمثل خطوة واحدة في هذا الإتجاه ولكنه لا يعبر بالكامل عن روح المرحلة التي نعيشها. لقد تعودنا في قطر في عهد حمد بن خليفة على التحرك إلى الأمام بأسلوب القفزات الواعية والمدروسة، فكان أن سبقت قطر محيطها في مجالات عديدة من بينها حرية الرأي والإعلام، والإنتخابات البلدية والدستور، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية وتقلدها المناصب الوزارية والهامة، والانفتاح الواسع على العالم، والبناء القوي للاقتصاد. أما قانون تملك الأجانب للعقارات وانتفاعهم بها، فلم يأت بإسلوب القفزات وإنما جاء على الطريقة التي اعتدناها في السابق كدولة نامية.
لقد نص القانون رقم 5 لسنة 1963 على عدم جواز تملك الأجانب للأموال الثابتة في قطر، وكان ذلك في حينه ضرورة لها ما يبررها في مرحلة ما قبل الاستقلال، للحفاظ على الأرض وهوية الوطن. وقد ظل ذلك القانون سارياً بعد الاستقلال بمنطق دعم الحالة المادية للمواطن وتوفير مصدر دخل إضافي لتحسين مستوى معيشته في ظل اقتصاد محدود. ومع نهاية القرن العشرين، بدا أن الظروف قد تغيرت تماما، بعد أن نجحت الدولة في تنويع مصادر الدخل من ناحية، وبسبب التطور الكبير الذي أصابه القطريون في مجال التعليم والتدريب والتوظيف من ناحية أخرى. ومع مطلع القرن الحادي والعشرين، تسارعت خطى العالم نحو العولمة، وظهرت دولة قطر كدولة رائدة في هذا المجال، ولم يكن غريباً لذلك أن تستضيف المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية، والمنتدى الاقتصادي العالمي وعدد كبير من المؤتمرات الاقتصادية والسياسية كان آخرها مؤتمر الديمقراطية في الأسبوع الماضي.
وفي ظل هذه المشاركة الفاعلة، كان من المؤمل أن يأتي التشريع الجديد بشأن العقارات بما يعكس هذه التحولات الجذرية على أرض الواقع، وأن يسمح بتملك المقيمين لوحدات سكنية وفق ضوابط محددة. ومن بين الضوابط المقترحة في هذا المجال؛ أن يكون قد مضى على الإقامة في قطر مدة زمنية لا تقل عن عشر سنوات، وأن لا يسمح للمقيم ببيع العقار إلا بعد فترة من الزمن لمنع المضاربة، وبشرط أن يكون حسن السير والسلوك ولم تصدر بحقه أحكام قضائية.
هذا النوع من التمليك المقترح للمقيمين يكون ذا فائدة للاقتصاد القطري ويساهم في توظيف مدخرات غير القطريين داخل البلاد بشكل واسع ويحفزهم على صيانة المساكن التي يقطنوها من الإهلاك الزائد. ويستفيد القطريون من هذا التشريع من خلال تنشيط أعمالهم في مجال البناء والتشييد، وما يتصل بها من خدمات، كما يستفيد قطاع البنوك من عمليات التمويل العقاري التي ستنتعش في الداخل، ومن أنشطة الرهن العقاري التي ستنشأ عنها. ولن يتضرر القطريون من تملك المقيمين لعقارات سكنية طالما أن ذلك سيكون في حدود ووفق ضوابط. وستعطي الدولة بمثل هذا التشريع المثل لدول أخرى كثيرة في أهمية التعامل مع قضايا العصر بروح جديدة ومتطورة، دون التقيد بتشريعات الماضي ومفاهيمه.
إن القانون الجديد الذي صدر هذا الأسبوع يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو دولة عصرية متطورة، وكلنا أمل وثقة في أن يتبع هذه الخطوة خطوات أخرى من أجل تحقيق وضع أكثر اقتراباً من الواقع، وأشد انسجاماً مع روح العصر.