هل نحن على أبواب تحول مهم في السياسة النقدية؟

قد نكون مع نهاية هذا الشهر على أبواب تحول مهم في السياسة النقدية لبنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، عندما تجتمع لجنة السوق المفتوحة في البنك لتقرر ما إذا كانت سترفع معدل الفائدة الإتحادية على الدولار( وهي الفائدة بين البنوك في الولايات المتحدة لليلة واحدة) بمقدار ربع نقطة مئوية أو ربما نصف نقطة مئوية، أو أنها ستغامر بالإبقاء على المعدل عند أدنى مستوياته في نصف قرن-وهو واحد بالمائة- بدون تغيير لمدة شهرين آخريين.
الجدير بالذكر أن بنك إنجلترا المركزي قد رفع في الأسبوع الماضي معدل الفائدة الأساسي على الجنيه الاسترليني بواقع ربع نقطة مئوية إلى 4.5%، وأبقى كل من البنك الأوروبي المركزي وبنك اليابان المركزي معدل الفائدة على عملتيهما بدون تغيير، وإن كان من الواضح من مجريات الأمور أن كليهما قد بات متحفزاً لرفع المعدل في أقرب فرصة ممكنة، ولكنهما مع ذلك لن ُيقدما على شيء بهذا الخصوص حتى يقرر بنك الاحتياط الأمريكي خطوته الأولى، وذلك لتحاشي أي ضغوط إضافية على سعري الين واليورو في مواجهة الدولار.
ومن الواضح أن بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي قد بات على قناعة الآن بأن التأخير في رفع معدل الفائدة على الدولار ليس له ما يبرره ، بعد أن سجلت أرقام التشغيل في الولايات المتحدة تحسناً مضطرداً في الشهور الماضية، حيث نما الاقتصاد الأمريكي في الربع الأول من العام بمعدل 4.2% -على معدل سنوي- واستعاد الاقتصاد في الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي نحو 1.2 مليون وظيفة كان قد خسرها بعد أحداث 11 سبتمبر.كما انخفض معدل البطالة إلى 5.6% في الشهرين الماضيين، وانخفض عدد طالبي الإعانة الأسبوعية لإول مرة إلى 350 ألف طلب أو أقل. ووسط هذه الأرقام الجيدة عن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وغيرها كثير، كان معدل التضخم يرتفع بوتيرة عالية بتأثير النمو القوي من ناحية، وتحت ضغط ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته من ناحية أخرى.
هذه التطورات جميعها تضغط باتجاه رفع معدل الفائدة على الدولار عاجلاً وليس آجلاً، ولن يكون من الحكمة تأجيل القرار إلى اجتماع تالٍ، حتى لو كنا في سنة انتخابات امريكية. وقد يقول قائل إن معدل الفائدة الاتحادية عند أدنى مستوياته وبالتالي سيظل الرقم منخفضاً حتى لو تقررت زيادته بواقع ربع نقطة أو حتى نصف نقطة مئوية. وهذا الكلام يبدو في ظاهره صحيحاً؛ إذ سيظل المعدل منخفضاً نسبياً، ولكن نقطة التحول التي أشرت إليها في بداية المقال هي الأهم. ذلك أنه طالما استشعر بنك الاحتياط الفيدرالي ضرورة تغيير اتجاه معدل الفائدة وأقدم على رفعها بالفعل بعد أربع سنوات تقريباً من التراجع، فإن البنك لن يتوقف غالباً عند رفع المعدل مرة واحدة وإنما سيتبع ذلك مرات أخرى طالما ظل النمو الاقتصادي قائماً وشبح التضخم ماثلاً للعيان.
وسيكون لرفع معدل الفائدة على الدولار تأثيرات عديدة من بينها ارتفاع سعر صرف الدولار أمام اليورو والين ، وبالتالي ارتفاع سعر صرف الريال القطري أمام تلك العملات. كما سيعمل مصرف قطر المركزي على رفع معدلات الفائدة على الريال القطري بشكل موازٍ لما يحدث على المعدلات المناظرة على الدولار. وسيكون لهذه التطورات بعض التأثيرات السلبية على أسعار الأسهم العالمية، وإن كان تأثيرها على أسعار الأسهم المحلية سيكون محدوداً.
التأثير السلبي الأكبر محلياً سيكون لجهة عودة البنوك المحلية لرفع معدلات الفائدة على القروض، وإن كان من المؤمل أن لا يحدث ذلك إلا في أضيق الحدود باعتبار أن الهامش بين معدلي الإيداع والإقتراض في قطر كان ولا يزال كبيراً جداً بالمقارنة بما هو الحال مع الدولار والعملات الرئيسية الأخرى. وإذا ما تصورنا أن هناك قدر أكبر من التنافس بين البنوك عما كان عليه الحال في السابق، فإن وعي المقترضين بهذه النقطة قد يعمل على خلق نوع من التوازن في سوق التمويل المحلي.