شهد الجهاز المصرفي القطري في الاونة الأخيرة عدد من التطورات الهامة والمتلاحقة سواء على الصعيد المحلي أوالإقليمي أوالعالمي. وقد صدر بعض هذه التطورات عن مصرف قطر المركزي في حين كان للبنوك دور فاعل في التخطيط والتنفيذ للبعض الآخر منها. وسيكون لهذه التطورات في مجملها دلالات وانعكاسات بالغة الأهمية على مستقبل العمل المصرفي في قطر.
فمن ناحية أقدم مصرف قطر المركزي في الأول من يوليو على رفع معدل الفائدة على الريال القطري بواقع ربع نقطة مئوية أو كما يقولون 25 نقطة أساس. وقد جاءت الزيادة على ما يعرف بسعر المصرف الذي هو سعر فائدة السوق النقدي القطري، أي السعر الذي يتعامل به المصرف مع البنوك العاملة في دولة قطر لمدة ليلة واحدة قابلة للتمديد إيداعاً أواقتراضاً. وبموجب هذه الزيادة فقد أصبح معدل فائدة الإيداع 1.48% بدلاً من 1.23% سابقاً، وأصبح معدل فائدة الإقراض للبنوك 1.58% بدلاً من 1.33% سابقاً.
الجدير بالذكر أنه بموجب الأداة المعروفة بفائدة السوق النقدي القطري QMR فإن بامكان البنوك أن تودع فائض ما لديها من سيولة لدى مصرف قطر المركزي لمدة ليلة واحدة قابلة للتمديد، وذلك بخلاف ما تودعه البنوك لدى المصرف بشكل إلزامي ودائم كنسبة من إجمالي ودائعها أو ما يعرف بالاحتياطي الإلزامي. وبالمثل تستطيع البنوك الإقتراض من مصرف قطر المركزي لمدة ليلة واحدة قابلة للتمديد وبمعدل فائدة يزيد قليلاً عن معدل فائدة الإيداع على النحو المشار إليه أعلاه. وبمثل هذه الترتيبات بين المصرف والبنوك العاملة بدولة قطر، استطاع المصرف إضافة أداة من أدوات السياسة النقدية غير المباشرة التي يمكن من خلالها التأثير على معدلات الفائدة على الريال القطري ولو بشكل جزئي عن طريق زيادة معدلات الفائدة آلياً كلما زاد اقتراض البنوك من المصرف أو انخفاضها كلما زادت ودائعها لديه.
على أن التغيير الأكبر في معدل الفائدة على الريال يجيئ من التغير المناظر على معدلات الفائدة على الدولار وذلك نتيجة حتمية لربط سعر صرف الريال بالدولار. ومن هنا جاءت الخطوة الهامة في الأول من يوليو عندما تم رفع سعر المصرف بعد ليلة واحدة من خطوة مماثلة قام بها بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك. وأهمية هذه الخطوة ليست في الزيادة البسيطة البالغة ربع نقطة مئوية بقدر ما هي التغيير الحاصل في اتجاه السياسة النقدية. وكما هو معروف فإن هذه هي الزيادة الأولى على أسعار الفائدة بعد ثلاث سنوات كاملة شهدت تراجعاً مستمراً في المعدلات إلى أن وصلت إلى أدنى مستوى تاريخي بالنسبة للريال القطري وأقل مستوى في نصف قرن بالنسبة لمعدلات الفائدة على الدولار الأمريكي.
وسيكون من نتيجة هذه الخطوة أن ترفع البنوك معدلات الفائدة على ودائع الجمهور لديها بنفس القدر وهو ربع نقطة مئوية، في حين سيعمد البعض منها إلى رفع معدلات الفائدة على القروض أيضاً، وإن كانت حالة المنافسة القائمة بين البنوك في الوقت الحاضر سوف تمنع البعض منها عن القيام بمثل هذه الخطوة، خاصة مع ارتفاع الهامش بين الفائدتين إلى مستويات قياسية.
ومن جهة أخرى كان التطور الأبرز على صعيد البنوك في الآونة الأخيرة هو موجة الشراكات مع بنوك أخرى اقليمية وعالمية. فبعد النجاح الذي لقيته صفقة شراء البنك الأهلي المتحد في البحرين لحصة في رأسمال البنك الأهلي القطري، لوحظ أن المياه جرت تحت الجسور لإتمام صفقات أخرى،وكان في مقدمة ذلك شراء مصرف قطر الإسلامي لحصة في بنك التمويل العربي في بيروت، وشراء الوطني لكامل مجوعة انسباشر التابعة لمؤسسة راند من جنوب افريقيا بقيمة 245 مليون دولار، وصفقة شراء بنك الكويت الوطني لحصة في بنك كرندليز قطر. هذه الصفقات وغيرها تشكل انعطافاً له أهميته في مسيرة عمل البنوك في قطر، سواء لجهة اكتساب خبرات أو توسيع الأسواق أو التقوي بتحالفات في مواجهة مرحلة الانفتاح القادمة في عام 2005 وما بعدها. وقد لا يكون غريباً أن تأتي هذه الأمور في الوقت الذي اعتمدت فيه لجنة بازل مشروعها الجديد المعروف ببازل2 يوم 26 يونيو الماضي ليبدأ بذلك عهد جديد من الرقابة المصرفية المنظمة والمنضبطة، مع إعطاء فترة 3سنوات للتكيف مع المقررات الجديدة بحيث يبدأ التطبيق الفعلى من عام 2007 بدلاً من عام 2006 كما كان مقرراً من قبل.