القرار الصادر عن حكومة قطر الرشيدة بالسماح لغير القطريين بامتلاك ما نسبته 25% كحد أقصى من أسهم كافة الشركات المساهمة، كان مفاجأة من العيار الثقيل، وإن كان في ذات الوقت مفاجأة سارة ورائعة للقطريين وغير القطريين على السواء. ومصدر المفاجأة أن المتعاملين في السوق كانوا في حالة ترقب لقرار قد يصدر آجالاً وليس عاجلاٍ-ربما في سبتمبر- للسماح للخليجيين بامتلاك حصص محددة في أسهم الشركات القطرية، فجاء القرار سريعاً قبل أن تغيب شمس آخر يوم في يوليو، وحمل إلى الناس خبراً مفاده أن الموافقة قد مُنِحَت لغير القطريين مقيمين وغير مقيمين بدون استثناء. فلماذا كان التحفظ والمنع في السابق، وماهي مبررات ودوافع القرار الجديد-كما نفهمها من سياق التطورات- وما هي التأثيرات المحتملة للقرار على حركة التداول وعلى أسعار الأسهم في السوق؟
لقد كنت دائما وفي مناسبات عديدة من المطالبين بالسماح لغير القطريين بامتلاك حصص في أسهم الشركات القطرية إسوة بما هو معمول به في دول أخرىكثيرة أقربها البحرين وعمان. وكنت في الوقت ذاته أتفهم الأسباب التي كانت تحول دون ذلك أو تعمل على تأجيل اتخاذ القرار وذلك قياساً على بعض التجارب المعاصرة. فالمعروف أن انفتاح الأسواق المالية على العالم له إيجابياته من حيث العمل على جذب رؤوس الأموال لاستثمارها في مشروعات محلية، وما يتبع ذلك من تحسين الحساب الجاري للدولة مع العالم، فضلاً عن زيادة الطلب على الأسهم المحلية وما يؤدي إليه ذلك من ارتفاع في أسعارها. وفي المقابل فإن هذا الانفتاح قد يكون له سلبياته التي تتمثل في احتمال زيادة المضاربة على الأسهم المحلية وما قد ينتج عنه من انخفاض في الأسعار في بعض الفترات، وما قد يتبع ذلك من تأثيرات سلبية على الحساب الجاري للدولة و على سعر صرف عملتها وعلى الاستقرار المالي فيها إذا ما حدث نزوح جماعي ومفاجئ للأجانب من السوق، كما حدث في مناطق أخرى من العالم وآخرها تجربة جنوب شرق آسيا عام 1997.
وفي قطر لم تكن الأوضاع في سوق الأسهم تستدعي حتى وقت قريب اتخاذ قرار بالسماح لغير القطريين بامتلاك الأسهم القطرية، وذلك بالنظر إلى حداثة السوق وصغر حجمها وقلة عدد الشركات المسجلة فيها. ورغم أنه قد حدث تطور كبير في تلك المعطيات منذ عام 2003، من حيث زيادة عدد الشركات الجديدة وضخامة رؤوس أموال البعض منها، وتوسع شركات قائمة في إصدار أسهم جديدة، إلا أنه في مواجهة ذلك كانت الأموال القطرية العائدة من الخارج كبيرة جداً، وأُضيف إليها أموال لغير القطريين دخلت السوق متسترة بأسماء قطرية. وساعد هذا الطلب الكبير على الأسهم في تحقيق ارتفاع غير مسبوق في مستوى أسعار الأسهم في الفترة ما بين يوليو 2003 إلى نهاية أبريل 2004. وبدا بعد ذلك أن الأمور قد بدأت تأخذ منحىً جديداً بتراجع أسعار الأسهم في الفترة ما بين مايو إلى الأسبوع الأول من يوليو. وكان هناك على ما يبدو تحسباً من أن يؤدي التوسع الكبير في تأسيس الشركات الجديدة،- ومنها شركة نقل الغاز- إلى استنفاد السيولة المتاحة في السوق، خاصة مع صدور قانون التستر وما سينتج عنه من خروج للأموال المتسترة من قطر.
من هنا كان لا بد من مواجهة الموقف بقرار جريء يخلق واقعاً جديداً في السوق بما يساعد على وقف تراجع الأسعار ويعمل على رفعها. فالرأي الذي كان سائداً بين الناس أن إقتراب موعد الاكتتاب في شركة نقل الغاز سوف يدفع الناس مبكراً إلى بيع ما لديهم من أسهم لتوفير السيولة اللازمة للاكتتاب-باعتبار أن ذلك أكثر ربحية من الاحتفاظ بالأسهم الأخرى- وكان من شأن ذلك لو حدث أن يعجل بانخفاض أسعار أسهم معظم الشركات المدرجة في السوق. ومن هنا جاء القرار السريع بالسماح لغير القطريين بامتلاك ما نسبته 25% من أسهم الشركات القطرية، حتى يطمئن المتعاملين ويشجعهم على الاحتفاظ بما لديهم من أسهم، طالما أن هناك أموال جديدة غير قطرية ستدخل السوق بصورة شرعية، وستعمل على استقرار الأسعار على الأقل.
والواقع أن هذا القرار قد جاء في وقت يشهد فيه الحساب الجاري القطري فائضاً كبيراً لعدة سنوات متتالية نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار النفط، كما أن الوضع المالي للدولة في أحسن حالاته، واحتياطي مصرف قطر المركزي يزيد عن أربعة أمثال النقد المصدر. ومن هنا فإن القرار يعكس ثقة كاملة من جانب السلطات المسؤولة في الدولة في متانة الوضع المالي للدولة وقدرة الاقتصاد القطري على تحمل وتجاوز أي آثار سلبية قد تنتج عن تطبيقه. كما أن القرار يتفق مع توجه الدولة الساعي إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وسماحها لغير القطريين أصلاً بالمشاركة في النشاط الاقتصادي ضمن شراكة مع القطريين بحصة تصل إلى 49%، وقد تصل إلى 100% في حالات خاصة. ومع ذلك فقد تحوطت الحكومة لأي نتائج سلبية للقرار، فجاء قرار سعادة وزير الاقتصاد والتجارة بأن يكون السماح لغير القطريين بتملك الأسهم القطرية بحد أقصى 25%. وقد يكون ذلك من باب التحوط، أو ربما للتعرف على النتائج قبل زيادة النسبة مستقبلاً إذا ما سارت الأمور على نحو جيد.
ولقد سارت الأمور على ما يرام في الأيام التالية لصدور القرار، حيث ارتفعت أسعار أسهم بعض الشركات وارتفع المؤشر بشكل يومي. ومع ذلك قد لا يظهر التأثير الكامل للقرار قبل أن تبدي الشركات المساهمة إهتماماً بتنفيذه من خلال الدعوة إلى عقد جمعيات عمومية غير عادية في أقرب وقت، وقبل ذلك لن يُسمح لغير القطريين بامتلاك الأسهم في السوق، وبالتالي قد يضعف أثر القرار وتعود حركة التداول والأسعار في السوق إلى ما كانت عليه. وقد حدث شيء من هذا القبيل في الامارات العربية خلال الشهرين الماضيين عندما تقاعست الشركات عن تعديل أنظمتها الأساسية، فكان أن ظل قرار السماح للخليجيين بامتلاك أسهم في الشركات الإماراتية بدون تفعيل في معظم الشركات.
الجدير بالذكر إن شركة اتصالات قطر هي الشركة الوحيدة التي يساهم فيها غير القطريين بنسبة 25% من رأسمالها، ولذلك نجد أن سعر سهم هذه الشركة قد بدأ في التراجع في الأيام الماضية، بعد أن سجل ارتفاعاً كبيراً في الأسبوعين السابقين. والحديث عن التأثيرات المحتملة يطول، وقد تكون لنا عودة لاستكماله في متابعات أخرى، فإلى القاء.